المخيم في الرواية الفلسطينية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
المخيم في الرواية الفلسطينية
في دمشق مؤخرًا عن وزارة الثقافة السورية كتاب تحت عنوان "المخيمُ في
الرواية الفلسطينية"، وهو من القطع الكبير، ضمن سلسلة النقد الأدبي، ويقع
في 400 صفحة من القطع الكبير.
يتناول
الكاتب بشار إبراهيم في كتابه الموْسُوم، وكما يدل العنوان، كيف تناول
الكُتَّاب الروائيون صورة المخيم الفلسطيني من خلال مجموعة كبيرة من
الروايات بلغ ستًا وثلاثين رواية فلسطينية صدرت مند خمسينيات القرن العشرين
الميلادي حتى أواخره.
الكتاب
جاء تحت عناوين رئيسة عدة، تبدأ من النظرة إلى المخيم في الواقع الفلسطيني
منذ ظهوره إثر نكبة فلسطين والعرب عام 1948، وآليَّات نشوء المخيم في
الواقع، وأبرز سِماته، وإحصاءات سريعة حول عدد السكان الفلسطينيين فيه، بما
يشكِّل صورة مادية واقعية عن هذا الموضوع على الأرض قبل الذهاب لرؤيته في
الرواية. كما يتناول الكتاب حقيقة وجود المخيمات خارج الوطن العربي
والمخيمات داخلَهُ ومخيمات تخضع لسلطات عربية ومخيمات تخضع لسلطات الاحتلال
ومخيمات أخرى.
رصد
الكاتب صورة المخيم، وبين أنها كانت تتشكل على مراحل، تختلف بين نص وآخر،
تبعًا لتطلُّعاته السردية. فرواية الولادة تختلف في جمالياتها عما جاء
بعدها، وخصوصًا أنَّ المخيم تحوَّل مع الزمن إلى بيوت طينية وعمارات ثابتة
بشوارع وزواريب وتنظيمات سياسية متباينة في أطروحاتها وتطلَّعاتها نحو
استعادة الأرض والذاكرة، وهو ما فتح الباب واسعًا على رؤًى مختلفة لمصير
الفلسطيني ومستقبله. هذا ما كشفت عنه روايات غسان كنفاني وسحر خليفة ويحيى
يخلف ورشاد أبو شاور في المرحلة المبكرة للمأساة الفلسطينية. لكنّ الولادة
الثانية لرواية المخيم التي كتبها أبناء المخيمات أنفسهم، تأخَّرت في
الظهور إلى حِقبة الثمانينيات وما بعدها؛ إذ ترسخ وجود المخيم في حياة
الفلسطيني، كواقع فرض شروطه على جملة العلاقات الاجتماعية والسياسية، وأفرز
عناصر أساسيَّة في بنية هذه الرواية. تتجسَّد هذه العناصر في شخصية
الشهيد، والصراعات السياسية بين التنظيمات الفلسطينية، وانخراط أبناء
المخيمات في الثورة، ثم الانتفاضة، ودَلالة الملصق الذي أخذ مكانه فوق
جدران شوارع المخيم إلى صورة الشهيد التي لا يكاد يخلو منها أي بيت. هذا
إضافة إلى العلاقة العدائية بين اللاجئ الفلسطيني وموظفي وكالة الغوث
الدولية بعد انتشار مظاهر الفساد بين عناصرها.
والكاتب
لا يتناول المخيم كظاهرة فحسب؛ بل كمفهوم حقيقي، وَسَمَ تاريخَ الشعب
الفلسطيني بِرُمَّتِهِ، وذلك عبر مقدمة نظرية طويلة وغنية، يتحدث فيها عن
تاريخ اللاجئين الفلسطينيين، منذ أول تهجير عام 1905 حتى اليوم، وما أفرزه
التهجير من مخيمات كثيرة منتشرة، سواء في الأردن وسورية ولبنان، أو المدن
الفلسطينية المحتلة؛ القدس ونابلس والخليل وقطاع غزة وأراضي 48.
كما
يقدِّم مسحًا شاملًا عن المخيم في الرواية الفلسطينية، باعتبار الرواية
تنطلق من محاولة لتقديم الوعي، وزيادته وتعميقه في الذات والواقع،
وباعتبارها حملت منذ البدء هاجس الروائي في التعبير عن قضايا شعبه ومآسيه.
لذلك كان ثمة روايات قامت بعملية أشبه بالتسجيل أو التأريخ للمخيم
الفلسطيني منذ ولادته، ومتابعة سيرورة الوقائع والحوادث التي حصلت فيه. كما
كان هناك روايات التقطت مفاصل تاريخية في المخيم، أو تناولت الفاعلية
المجتمعية فيه. وهناك روايات كان المخيم جزءًا من موضوعها لا غير، أو عبارة
عن خلفية روائية للحوادث.
وقدم
الكاتب الرواية الفلسطينية التي تتحدث عن المخيم بوصفها إما تتحدث عن
ولادة المخيم والأمْكِنَةِ التي أُنشئ فيها، وبداياته وعلاقاته المتطورة مع
جيرانه كأمكنة وأناس، وإما أنها تتحدث عن علاقات المخيم السياسية مع سلطات
البلاد المقامة فيها، وهي سلطات عربية، وإما عن علاقة المخيم بوكالة غوث
اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة. وتشترك معظم الروايات بالحديث
عن الثورة والأحزاب الفلسطينية، وكذلك عن الشهداء ومقابرهم التي راحت
تكبُر وتتنامى مع استمرار كفاح الفلسطينيين، وبعضُها يتحدث عن التطورات
والتحولات التي راحت تطرَأُ على المخيم، الأمر الذي يرسُم للمستقبل تصوراتٍ
مختلفةً ومتباينةً.
وتحت
عنوان "روايات موضوعها المخيم"، يميِّز الكاتب بين الرواية التاريخية
والرواية التي يمكن أن تؤرَّخ، فتستخدم التاريخ بخطِّهِ العام فحسب، ثم
تختلق الشخصيات والحوادث بما يخدم سيْرَها الفني. كالرواية التي تتحدث،
مثلًا، عن مخيم جرمانا في دمشق، وفيها يرصد الكاتب التغيير الذي يطرأ مع
الزمن على المجتمع في هذا المخيم، وعادات أهله القروية الفلسطينية.
ففي
رواية العشاق لرشاد أبو شاور مثلاً، يتحدث بشار إبراهيم عن أريحا
بوجهَيْهَا المتناقضين، كأقدم مدينة في التاريخ، وحاليًا كمخيم ببيوت طينية
متناثرة، حيث التناقض بين التاريخ والواقع، في محاولة لتوثيق وجود المخيم،
ومزج ذلك بتفاصيل وكوارث يومية في حياته.
وكذلك في رواية "البدد" لنعمة خالد، و"الوداع" لعوض سعود عوض، و"مخيم في الريح" لعارف آغا...الخ.
ثم
ينتقل إلى روايات كان المخيم حينها عبارة عن مقطع أو فقرة أو حتى فاصل
فيها، واختار الروايات التي تركِّز على مفاصل أشد تأثيرًا في المخيم، مثل
المجازر أو الاجتياح أو الاحتلال. وأورد خمس روايات، أولها "بوصلة من أجل
عباد الشمس" لليانة بدر، تتحدث فيها بضمير المتكلم، وتستفيد من تجربتها
الشخصية ورؤيتها العيانية في الكتابة عن مخيم صبرا في بيروت، حيث تستذكر
حوادث 1970 ومجازر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن. ثم يورِد الكاتب
دراسة في رواية طقوس المنفى للياس خوري، والتي هي هنا عبارة عن تصاديات في
وجدان المنفيين ووعيهم وأحاسيسهم، حيث يرصد المخيم باعتباره وعاءً لمجتمع
بشري بكل تنوُّعاته، مستهدَفٍ بالتخريب والإفساد والتمييع، رغم الأمل
الكبير بالثورة والعودة، وليس كمجتمع ملائكة وأنبياء. كما يقدم الكاتب
دراسة لرواية "طيور الحذر" لإبراهيم نصر الله، ورواية "المخيم" لجمال جنيد.
ثم
يقدم الكاتب بعد ذلك، روايات كان المخيم جزءًا من موضوعاتها، وفيها يذهب
بشار إبراهيم إلى قراءة روايات يتفاوت وجود المخيم فيها، ومن الممكن أن
يتلخص ذلك بمجرد قيام إحدى الشخصيات بزيارة المخيم. وضمن ضغط الفكرة
(التقاط المخيم أينما كان)، التي تسيطر على الكتاب برمته، يتلخص عمل أدبي
كامل ربما بمقطع واحد. يلاحِق الكاتب هذه الفكرة في أربع روايات، هي "قامات
الزبد" لإلياس فركوح، حيث المخيم قاعدة للفدائيين في مكتب الثورة، وهو
مكتب في مخيم البص قرب مدينة صور في لبنان. ورواية "البحث عن هوية" لمحمد
زهرة، و"دارة متالون" لنهاد توفيق عباسي، و"التصريح الأخير لموتى بلا هوية"
لسليمان سعد الدين.
كما
خص الكاتبروايتي سحر خليفة، الصبار وعباد الشمس، باعتبارها صوت روائي آتٍ
من داخل الوطن المحتل، والذي يرصد المجتمعَ الفلسطيني في الأرض المحتلة ضمن
الفضاء المدني الطاغي على كتاباتها، ابتداءً بنابلس مدينتها وصولًا إلى
المدن الفلسطينية الأخرى كالقدس وغيرها.
ثم
يتناول الكتاب ستة روائيين واثنتي عشرة رواية. اثنتان ليحيى يخلف، "نشيد
الحياة" و"تفاح المجانين"، واثنتان أيضًا لرجب أبو سرية، "دائرة الموت"
و"عطش البحر"، واثنتان لجمال ناجي، "الطريق إلى بالحارث" و"وقت". وروايتان
أيضًا لنادر عبد الله، "نهاية شيء ما"، و"جمر الرصيف". وروايتان لعدنان
عمامة، "الخرعندار" و"الولد سلمان". وأخيرًا روايتان للحاج إسماعيل، "صافي
صافي" و"الحلم المسروق".
وفي
فصل آخر يتناول المخيم في أعمال غسان كنفاني الروائية، ويستفيد الكاتب هنا
من المكانة التي يتمتع بها كنفاني ـ كمبدع وشهيد ـ وأهمية أعماله
الروائية. وإذ يتكلم كنفاني عن المخيم، في حديث خاص أدلى به إلى كاتب
سويسري ونُشر في مجلة شؤون فلسطينية1974، نجد المؤشرات الواضحة حول طبيعة
العلاقة التي تربطه بالمخيم، حيث عمل كمدرِّس للرسم هناك، هو الذي سكن
المدن منذ أن طُرد وأهلُه من عكا عام 1948. الوقوف عند المخيم في روايات
كنفاني، وخصوصًا "رجال في الشمس" و"ما تبقى لكم" و"أم سعد"، يتضمن، بحسب
رأي بشار إبراهيم، ظلمًا ما، لأنه لا يشتمل على كل التعبيرات والصور والرؤى
التي شكلها الكاتب عن المخيم، والتي يمكن أن نجدها في قِصصه القصير مثلًا.
كما
درس الكاتب مظاهر الانتفاضة الكبرى عام 1987 في الروايات الفلسطينية، وذلك
في رواية "وجوه في مكان ساخن" لعبد الله تايه، التي تدرس المقدمات
السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أسست لاندلاع الانتفاضة في مخيم
جباليا. ورواية "الخروج من القمقم" لعمر حمش، و"صرخات" لمحمد نصار، التي
تقدم صورًا من الانتفاضة اليومية في قطاع غزة، وكذلك الأمر في رواية أنشودة
"فرح" لربحي الشويكي. أما رواية "الشمس في ليل النقب" لهشام عبد الرازق،
فأشبه برواية مذكرات "عن النضال الفلسطيني في المعتقلات". وأخيرًا رواية
"خنتش بنتش" لمحمود عيسى موسى، التي طبعتها اللجنة الشعبية الأردنية لدعم
الانتفاضة، وقدم لها الكاتب الكبير جبرا إبراهيم جبرا، حيث وصفها بالعمل
الهائل والغني.
في
هذا الكتاب يُجيب الكاتب عن تساؤلات حول حضور المخيم الفلسطيني في الرواية
الفلسطينية، وكيف بدا هذا الحضور. والكتاب أيضًا دراسة تهدف إلى البحث في
مضمون الرواية الفلسطينية بصدد المخيم وتقصي مقولاتها ورُؤَاهَا ومنطوقها
وزوايا تناولها للمخيم الفلسطيني. وقد تناول الكاتب هذه الروايات دون أن
يسهب في تفاصيل البنية الروائية، فالموضوع الأساس لديه هو ظهور المخيم في
الرواية دون الولوج في الكيفية الفنية لذلك، كما رأى أحد الدارسين لكتاب
بشار إبراهيم.
ومما
يُذكر أن الكاتب بشار أحمد إبراهيم مهندس مدني من سوريا، عضو اتحاد
الكُتَّاب العرب، واتحاد الكُتَّاب والصحفيين الفلسطينيين، وتجمُّع الأدباء
والكُتَّاب الفلسطينيين، وجماعة السينما الفلسطينية.
ويعمل بالصحافة والنقد الفني والأدبي. كما يكتب القصة القصيرة والشعر.
وحاز
العديد من الجوائز منها: جائزة اتحاد الكُتَّاب العرب للقصة القصيرة، في
سوريا، عام 1995، وجائزة ربيعة الرقّي للشعر، في سوريا، عام 1996.
ومن
مؤلفاته الأدبية والفكرية: "سيف الدخان".. (مجموعة قصصية)، "موَّال الجمر
لو".. (مجموعة شعرية)، "نظرة على الرواية الفلسطينية في القرن العشرين"،
و"ريح العصر".. و"العولمة ثقافيًا"، و"النظام الشرق أوسطي".
علاء الدين- عضو Golden
- عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51257
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013
رد: المخيم في الرواية الفلسطينية
الف شكر لك ويعطيك العافيه
الامبراطورة- عضو Golden
- عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57272
الجوائز :
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013
مواضيع مماثلة
» أنماط الرواية العربية الجديدة
» الرواية المصرية: سؤال الحرية ومساءلة الاستبداد
» د.عبد الملك آل الشيخ: الرواية السعودية كانت شاهدة على التغيرات الاجتماعية للمملكة
» تأملات في النكبة الفلسطينية
» شاعر المقاومة الفلسطينية صلاح جلال يرثي نفسه!
» الرواية المصرية: سؤال الحرية ومساءلة الاستبداد
» د.عبد الملك آل الشيخ: الرواية السعودية كانت شاهدة على التغيرات الاجتماعية للمملكة
» تأملات في النكبة الفلسطينية
» شاعر المقاومة الفلسطينية صلاح جلال يرثي نفسه!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى