الشاعر السوري مروان حديد.. شهيد المحنة!
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الشاعر السوري مروان حديد.. شهيد المحنة!
الشاعر السوري مروان حديد.. شهيد المحنة!
الشاعر السوري مروان حديد رحمه الله (1934 ـ 1976م) كان مسكونا بالحرية وحب الشهادة، فديوانه وأشعاره ترتكز على مفردات تكاد تكون محصورة، في الشهادة، والنظر لما يعقب حياة الشهداء، وهذا بعض من عناوين قصائده التي تدور كلها في مساحة الحياة الرحبة بعد نيل الشهادة في سبيل الله: "وافرحتا زف الشهيد"، "نشيد الشهيد"، "لن تطيروا في سمائي" "حكموا شرع السماء"، "إني شهيد المحنة"، "الروح ستشرق من غدها"، "يا راحلين"، وهي قصيدة بديعة يخطاب فيها الشهداء ويتمنى أن يكون بصحبتهم.
ولد مروان حديد في مدينة حماه عام 1934 لأب كان يعمل بالتجارة، وأم اشتهرت بالكرم والسخاء، فكم تصدقت حتى بأثاث البيت والثياب، وربما حتى ببعض ما ترتديه، حيث كانت ـ رحمها الله ـ لا تطيق أن تسمع كلمة نجدة أو استغاثة حتى تكون ملبية بما تملك، وكان الشهيد مروان حديد رحمه الله فيه الكثير من صفات أمه النفسية والروحية.
تفتحت عينا مروان على مرحلة من أهم وأخطر المراحل التي مرت بها الأمة، متمثلة في الكفاح ضد الاستعمار وغرس العدو الصهيوني (إسرائيل) في قلب الأمة العربية والإسلامية.
درسَ مروان حديد وتدرج في مدارس حماه الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وحصل على الثانوية العامة الفرع العلمي عام 1955، وسجل في كلية الزراعة جامعة عين شمس 1956 في مصر وتخرج منها في 1964، طالت مدة دراسته بسبب كثرة اعتقاله من قبل المخابرات المصرية، التحق بكلية الآداب جامعة دمشق قسم الفلسفة وحصل على البكالوريوس عام 1970.
وكان لمروان سمته الجاذب لمن حوله، المؤثر فيهم بتواضعه وكرمه وشهامته، وقد كان يقيم في القاهرة في شقة أثثها له والده كأحسن ما يكون الأثاث، وكان يجعلها مؤهلة ومؤى لإخوانه من الشباب الإسلاميين الذين يتوافداون على القاهرة من العرب والمصريين الذين يفدون من الأقاليم.
ويروي الدكتور فاروق الصاوي رحمه الله قصة أول لقاء له بمروان حديد، فيقول: أول ما رأيته كان في عام 1958 حين تخرجت من الثانوية وسجلت في كلية الزراعة جامعة عين شمس، وحين سافرت للقاهرة قادما من الصعيد، ذهبت للشاعر مروان حديد بصحبة بعض الشباب الإسلاميين، وقد أثر سمته في، ورأيت فيه إخلاصا وعفوية وحبا يغمر به من حوله.
نشأ مروان في بيئة حزبية اشتراكية، وكان مسؤولاً مالياً عن التنظيم الاشتراكي في ثانوية ابن رشد في الفترة التي سبقت التحاقه بجماعة الأخوان المسلمين، ويروي قصة تحوله من الاشتراكية إلى الإسلامية فيقول: "لقد كنت اشتراكياً بدافع البيئة التي أعيشها بين أشقائي، وبدافعٍ من واقع الأمة المرير الذي يبحث عن طريق الخلاص من الاستبداد المُسلّط على الإنسان البسيط، وفي يوم من الأيام دخلتُ البيت وإذ بأخي الكبير أحمد يقول:"قتل اليوم أخطر رجل على الأمة العربية" وكالَ لهذا الرجل الشتائم والسباب بأقذع العبارات المعروفة، فقلت له: من هو هذا الرجل، قال:"حسن البنا شيخ الإخوان في مصر"، فوقع هذا الخبر وقع الصاعقة في نفسي وثارت في نفسي تساؤلات كثيرة عن طبيعة هذا الرجل وفكره ودوره الذي أخاف هؤلاء القوم وكان وجوده خطرٌ على الأمة العربية، فقررت البحث عن أجوبة لهذه التساؤلات، وتتبعت الخبر أولاً من الراديو وتيقنتُه، ثم بحثتُ عن كتبه فقرأتُ من رسائله ما أمكنني يومها أن أطّلع عليه، وسألتُ عنه من يعرفه لأسمع منهم ما يعرفونه عنه، وكان بعدها بفضل الله ورحمته التحول من العماية إلى الهداية، ومن الضلال إلى الرشاد ومن الجندية للباطل إلى الجندية للحق".
وكان رحمه الله أكثر إخوانه تمسكا بالدعوة إلى الإسلام وبتعاليمه وشريعته، وكان جادا وحازما فيما يعتقد ويؤمن به. مخلصٌ وفيٌّ ومُحِبٌّ لإخوانه، وكانت المرحلة التي انخرط فيها في صفوف الإخوان مرحلة انقلابات في سورية ومضايقات للحركة الإسلامية من قبل الحكومات الانقلابية المتعاقبة، وكان العمل في تلك الحقبة سريّاً ويرتكز في جامع النوري الشهير في حماه، وكان زاهداً في الدنيا مستغرقاً في الآخرة، وكان كثير الصلاة والبكاء والدعاء في خلواته.
عاد مروان رحمه الله عام 1964 من مصر بعد حصوله على بكالوريوس الهندسة شعبة محاصيل من كلية الزراعة – جامعة عين شمس، ولم ينقطع عن متابعة أخبار بلده سوريا أو زيارتها في كل صيف، وخصوصاً متابعة أخبار البلاد بعد انقلاب 1963 الذي جاء بحزب البعث إلى السلطة، وبدأت العناصر الباطنية المتسلطة على هذا الحزب تمد أعناقها وتحكم قبضتها على مقاليد الحكم من وراء ستار دون أن تسفر علانية عن وجهها الكريه، وسرعان ما أحس بالخطر الذي يكمن وراء هذا الحزب فقام يدعو الناس ويحذّرَهم وينذرَهم ويبينُ لهم بحسه المرهف وشفافيته للأمور أن هؤلاء القوم لا يهادِنون فيما صنعوا، وأن وراءهم ما وراءهم، ولابد من مجابهتهم من اللحظة الأولى قبل أن يتمكنوا من الحكم، وإلا استشرى خطرهم وقويت قبضتهم وعندئذ سيدوسون المقدسات، وينتهكون الحرمات، ولن يجدي بعد ذلك معهم علاج، فعقد الندوات في بيته ومسجده الصغير في حيّ البارودية، وأقام المحاضرات والدروس في المساجد، فكشف نوايا البعثيين وعرّى مخططاتهم و ألهبَ حماس الشباب وغذّاه بروحه التي تستهين بالطواغيت ولا تخشى إلا الله، وتحبُّ الموتَ كما يحب غيره الحياة.
وفي 7/4/1964 شارك في احتجاجات طلاب ثانوية عثمان الحوراني بمنطقة الحاضر في مدينة حماة، يوم أن خرج الطلاب في مظاهرة احتجاجاً على اعتقال السلطة أحد الطلاب الذي كتب على السبّورة آية قرآنية وهي: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)سورة المائدة، فاحتجَّ الطلاب البعثيون ودارت مصادمات فيما بين الطلبة الإسلاميين والبعثيين تدخلت المخابرات على إثرها، واعتقلت الطالب وقدمته لمحكمة أمن الدولة التي حكمت عليه بالسجن لمدة عام مع تغريمه مبلغاً من المال، وطالب الطلاب في مظاهرتهم مدينة حماة بالإضراب فاستجاب التجّار وأبناء الشعب وأغلقوا محلاتهم، وتدخل الجيش لرفع حالة الإضراب فرفض أهالي حماة هذا الطلب، وتقدموا بمطالب لمحافظ المدينة عبد الحليم خدّام الذي رفض هذه المطالب، فاعتصم المصلين في مسجد السلطان، وقرروا الإبقاء على حالة الإضراب حتى تنفيذ مطالبهم، وحدَث أن قُتِلَ طالبٌ بعثيّ أثناء المظاهرات فاستدعى المحافظ عبد الحليم خدّام الجيش الذي حاصر المسجد الذي كان يتواجد فيه أثناءها قرابة تسعين مصلياً.
وتفاجأ الجميع بإقدام الطائفيين بقيادة الدرزي العقيد حمد عبيد قائد قوّات المغاوير، والعقيد الدرزي سليم حاطوم ومن ورائهم النصيري حافظ أسد وصلاح جديد وعزت جديد بقصف المسجد بالمدفعية والدبابات، ودارت اشتباكات بين الجانبين انتهت باستشهاد بعض المعتصمين ودارت اشتباكات بين الجانبين.
وتم إقامة محكمة عسكرية من محاكم أمن الدولة برئاسة مصطفى طلاس في حمص، قُدِّمَ إليها الشيخ مروان وإخوانه من المعتقلين، وتمت محاكمتهم محاكمة صورية، وتم إصدار أحكامها المقررة سلفاً، وقد دار حوار جريء جداً بين الشيخ مروان وبين قاضيه وخصمه العسكري:
مصطفى طلاس في بعض الجلسات التي كانت علنية وتُنقَل على الهواء مباشرةً جاء فيه ما يلي:
قال طلاس للشيخ مروان: أنت عميل.
قال مروان لطلاس: أنا عميلٌ لله.
قال طلاس: أنت مأجور.
قال مروان: أنا مأجورٌ من الله.
قال طلاس: حكمت عليك المحكمة بالإعدام شنقاً حتى الموت.
فرد مروان بابتسامة ساخرة: والله يا مسكين لو عرفتُ أنّ بيدك الموت والحياة لعبدتُّكَ من دون الله.
فضجت الصالة بالتصفيق الحاد، والصراخ والاستهزاء بالمحكمة، هنا قاموا فوراً بقطع الكهرباء عن صالة المحكمة، وتم إيقاف البث الإذاعي المباشر.
وحكموا عليه بالإعدام في محكمة صورية برئاسة المقدم مصطفى طلاس، ولكن الحكم لم يُنفذ، وأُطلِقَ سراح مروان والمسجونين بعدما تدخل الشيخ محمد الحامد وعلماء حماة عند رئيس الجمهورية أمين الحافظ آنذاك.
تعرض رحمه الله للاغتيال أكثر من مرة، وقد حاولت السلطات البعثية قتله عام 1964 في مسجد السلطان أو حتى أن يعدم شنقاً لولا عفو الرئيس أمين الحافظ بمبادرة العلماء، وأرادوا قتله عام 1966 ليلة أن قتلوا المرحوم الشهيد عثمان الأمين في بيته، وقتلوا الشهيد حسن عصفور تحت التعذيب، إذ اعتقل مروان في الليلة نفسها، و أرادوا اعتقاله في أوائل شهر آذار 1973 في منزله الكائن في حي البارودية وكادوا يقتلون ابن أخته لولا أن حذَّرهم أحد المباحث أن هذا غير مروان.
وفي صبيحة يوم 30 يونيو 1975 قُرِعَ باب بيته، ولما فتح الباب وجد نفسه مطوقا بقوة من رجال الأمن الذين حاولوا إلقاء القبض عليه بعد أن أطلقوا عليه الرصاص وأصيب بكتفه، إلا أن بعض الأخوة الذين كانوا معه وزوجته وزوجة أخ آخر باشروا المقاومة المسلحة، ولساعاتٍ عديدة حتى استشهد أحدهم وجُرٍح الآخر، وتمكنت السلطة من إلقاء القبض على أخوين آخرين لا زالا في السجن لم تُصرح السلطة عن مصيرهُما حتى الساعة، وأُطلِقَ سراح الزوجتين بعد قرابة الشهر.
تعرض مروان للتعذيب بالأضواء المبُهِرة، وكان أعظمَ وأَشدَّ تعذيبا على نفسه، وإن أخسَّ ما اتبعوه معه من وسائل قذرة واستطاعوا أن يكبلوا به قواه ويحدوا من مقاومته هو كشف قُبُلِهِ ودبُرِه، ومروان معروف بشدة حيائه وخجله فإذا دخلوا عليه الزنزانة انكمش على نفسه ليتستر عورته التي أرادوا كشفها وأراد الله سترها، ويستغلوا هذه الحالة ليكيلوا له صنوف التعذيب، بهذه الطريقة تمكنوا من السيطرة على مروان، وإلا ليكيل لهم الكلمة بكلمة والصاع بصاعين، ثم قطعوا عنه الطعام وأجاعوه، حتى خارت قواه، وأحياناً كانوا يقدمون له الطعام بعد أن يمزجوه أمام ناظريه بالأقذار، فصار يأبى أن يأكل من هذا الطعام القذر.
وفي مساء أحد الأيام عاد إليه أهله ليجدوه يجود بروحه الطاهرة، وقد أشار إليهم بإصبعه إلى رقبته وأنه قد أعطي حقنة في عنقه، وإذ بالأجهزة الطبية تشير إلى أن ضغطه أخذ يهبط من جديد، وأن حالته صارت تسوء وتسوء، ثم فاضت روحه طاهرة زكيه إلى بارئها لتلتقي مع ركب الشهداء شهر يونيو عام 1976.
استشهد مروان ولم يُسمح لأهله بدفنه في حماة، فدُفِنَ في دمشق في مقبرة الباب الصغير تحت حراسة الأمن المشددة التي أحاطت بالمكان، وبعد دفنه بقيت الحراسة على القبر شهوراً حيث كانوا يعتقلون كل من يزور القبر!
نشيد الشهيد
شعر/ مروان حديد
عاد بعد الموت حيا
ذكره كان عليا
في جنان الخلد يمشي
هانئ النفس رضيا
كان في الدنيا شجاعا
ثابت الخطو أبيا
لم يكن يخشى كفورا
أو ظلوما أو شقيا
لم يكن يرضى بذل
منذ أن كان تقيا
إنما يرضى بذل
كل من كان عصيا
عاهد الرحمن يوما
منذ أن كان صبيا
أن يعيش العمر دوما
طاهرا حرا نقيا
في حمى الرحمن يمضي
عزمه كان فتيا
عيشه كان جهادا
ثم حبا أخويا
في كتاب الله يتلو
خاشع القلب شجيا
مع شباب لم يراؤوا
كلهم كان زكيا
كان يرجو أن ينال
الخلد خلدا أبديا
فلقد ضحى بروح
للفدا كان حريا
ولقد أوفى بعهد
إنه كان وفيا
إنه والله حقا
كان شهما أريحيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
الشاعر السوري مروان حديد رحمه الله (1934 ـ 1976م) كان مسكونا بالحرية وحب الشهادة، فديوانه وأشعاره ترتكز على مفردات تكاد تكون محصورة، في الشهادة، والنظر لما يعقب حياة الشهداء، وهذا بعض من عناوين قصائده التي تدور كلها في مساحة الحياة الرحبة بعد نيل الشهادة في سبيل الله: "وافرحتا زف الشهيد"، "نشيد الشهيد"، "لن تطيروا في سمائي" "حكموا شرع السماء"، "إني شهيد المحنة"، "الروح ستشرق من غدها"، "يا راحلين"، وهي قصيدة بديعة يخطاب فيها الشهداء ويتمنى أن يكون بصحبتهم.
ولد مروان حديد في مدينة حماه عام 1934 لأب كان يعمل بالتجارة، وأم اشتهرت بالكرم والسخاء، فكم تصدقت حتى بأثاث البيت والثياب، وربما حتى ببعض ما ترتديه، حيث كانت ـ رحمها الله ـ لا تطيق أن تسمع كلمة نجدة أو استغاثة حتى تكون ملبية بما تملك، وكان الشهيد مروان حديد رحمه الله فيه الكثير من صفات أمه النفسية والروحية.
تفتحت عينا مروان على مرحلة من أهم وأخطر المراحل التي مرت بها الأمة، متمثلة في الكفاح ضد الاستعمار وغرس العدو الصهيوني (إسرائيل) في قلب الأمة العربية والإسلامية.
درسَ مروان حديد وتدرج في مدارس حماه الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وحصل على الثانوية العامة الفرع العلمي عام 1955، وسجل في كلية الزراعة جامعة عين شمس 1956 في مصر وتخرج منها في 1964، طالت مدة دراسته بسبب كثرة اعتقاله من قبل المخابرات المصرية، التحق بكلية الآداب جامعة دمشق قسم الفلسفة وحصل على البكالوريوس عام 1970.
وكان لمروان سمته الجاذب لمن حوله، المؤثر فيهم بتواضعه وكرمه وشهامته، وقد كان يقيم في القاهرة في شقة أثثها له والده كأحسن ما يكون الأثاث، وكان يجعلها مؤهلة ومؤى لإخوانه من الشباب الإسلاميين الذين يتوافداون على القاهرة من العرب والمصريين الذين يفدون من الأقاليم.
ويروي الدكتور فاروق الصاوي رحمه الله قصة أول لقاء له بمروان حديد، فيقول: أول ما رأيته كان في عام 1958 حين تخرجت من الثانوية وسجلت في كلية الزراعة جامعة عين شمس، وحين سافرت للقاهرة قادما من الصعيد، ذهبت للشاعر مروان حديد بصحبة بعض الشباب الإسلاميين، وقد أثر سمته في، ورأيت فيه إخلاصا وعفوية وحبا يغمر به من حوله.
نشأ مروان في بيئة حزبية اشتراكية، وكان مسؤولاً مالياً عن التنظيم الاشتراكي في ثانوية ابن رشد في الفترة التي سبقت التحاقه بجماعة الأخوان المسلمين، ويروي قصة تحوله من الاشتراكية إلى الإسلامية فيقول: "لقد كنت اشتراكياً بدافع البيئة التي أعيشها بين أشقائي، وبدافعٍ من واقع الأمة المرير الذي يبحث عن طريق الخلاص من الاستبداد المُسلّط على الإنسان البسيط، وفي يوم من الأيام دخلتُ البيت وإذ بأخي الكبير أحمد يقول:"قتل اليوم أخطر رجل على الأمة العربية" وكالَ لهذا الرجل الشتائم والسباب بأقذع العبارات المعروفة، فقلت له: من هو هذا الرجل، قال:"حسن البنا شيخ الإخوان في مصر"، فوقع هذا الخبر وقع الصاعقة في نفسي وثارت في نفسي تساؤلات كثيرة عن طبيعة هذا الرجل وفكره ودوره الذي أخاف هؤلاء القوم وكان وجوده خطرٌ على الأمة العربية، فقررت البحث عن أجوبة لهذه التساؤلات، وتتبعت الخبر أولاً من الراديو وتيقنتُه، ثم بحثتُ عن كتبه فقرأتُ من رسائله ما أمكنني يومها أن أطّلع عليه، وسألتُ عنه من يعرفه لأسمع منهم ما يعرفونه عنه، وكان بعدها بفضل الله ورحمته التحول من العماية إلى الهداية، ومن الضلال إلى الرشاد ومن الجندية للباطل إلى الجندية للحق".
وكان رحمه الله أكثر إخوانه تمسكا بالدعوة إلى الإسلام وبتعاليمه وشريعته، وكان جادا وحازما فيما يعتقد ويؤمن به. مخلصٌ وفيٌّ ومُحِبٌّ لإخوانه، وكانت المرحلة التي انخرط فيها في صفوف الإخوان مرحلة انقلابات في سورية ومضايقات للحركة الإسلامية من قبل الحكومات الانقلابية المتعاقبة، وكان العمل في تلك الحقبة سريّاً ويرتكز في جامع النوري الشهير في حماه، وكان زاهداً في الدنيا مستغرقاً في الآخرة، وكان كثير الصلاة والبكاء والدعاء في خلواته.
عاد مروان رحمه الله عام 1964 من مصر بعد حصوله على بكالوريوس الهندسة شعبة محاصيل من كلية الزراعة – جامعة عين شمس، ولم ينقطع عن متابعة أخبار بلده سوريا أو زيارتها في كل صيف، وخصوصاً متابعة أخبار البلاد بعد انقلاب 1963 الذي جاء بحزب البعث إلى السلطة، وبدأت العناصر الباطنية المتسلطة على هذا الحزب تمد أعناقها وتحكم قبضتها على مقاليد الحكم من وراء ستار دون أن تسفر علانية عن وجهها الكريه، وسرعان ما أحس بالخطر الذي يكمن وراء هذا الحزب فقام يدعو الناس ويحذّرَهم وينذرَهم ويبينُ لهم بحسه المرهف وشفافيته للأمور أن هؤلاء القوم لا يهادِنون فيما صنعوا، وأن وراءهم ما وراءهم، ولابد من مجابهتهم من اللحظة الأولى قبل أن يتمكنوا من الحكم، وإلا استشرى خطرهم وقويت قبضتهم وعندئذ سيدوسون المقدسات، وينتهكون الحرمات، ولن يجدي بعد ذلك معهم علاج، فعقد الندوات في بيته ومسجده الصغير في حيّ البارودية، وأقام المحاضرات والدروس في المساجد، فكشف نوايا البعثيين وعرّى مخططاتهم و ألهبَ حماس الشباب وغذّاه بروحه التي تستهين بالطواغيت ولا تخشى إلا الله، وتحبُّ الموتَ كما يحب غيره الحياة.
وفي 7/4/1964 شارك في احتجاجات طلاب ثانوية عثمان الحوراني بمنطقة الحاضر في مدينة حماة، يوم أن خرج الطلاب في مظاهرة احتجاجاً على اعتقال السلطة أحد الطلاب الذي كتب على السبّورة آية قرآنية وهي: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)سورة المائدة، فاحتجَّ الطلاب البعثيون ودارت مصادمات فيما بين الطلبة الإسلاميين والبعثيين تدخلت المخابرات على إثرها، واعتقلت الطالب وقدمته لمحكمة أمن الدولة التي حكمت عليه بالسجن لمدة عام مع تغريمه مبلغاً من المال، وطالب الطلاب في مظاهرتهم مدينة حماة بالإضراب فاستجاب التجّار وأبناء الشعب وأغلقوا محلاتهم، وتدخل الجيش لرفع حالة الإضراب فرفض أهالي حماة هذا الطلب، وتقدموا بمطالب لمحافظ المدينة عبد الحليم خدّام الذي رفض هذه المطالب، فاعتصم المصلين في مسجد السلطان، وقرروا الإبقاء على حالة الإضراب حتى تنفيذ مطالبهم، وحدَث أن قُتِلَ طالبٌ بعثيّ أثناء المظاهرات فاستدعى المحافظ عبد الحليم خدّام الجيش الذي حاصر المسجد الذي كان يتواجد فيه أثناءها قرابة تسعين مصلياً.
وتفاجأ الجميع بإقدام الطائفيين بقيادة الدرزي العقيد حمد عبيد قائد قوّات المغاوير، والعقيد الدرزي سليم حاطوم ومن ورائهم النصيري حافظ أسد وصلاح جديد وعزت جديد بقصف المسجد بالمدفعية والدبابات، ودارت اشتباكات بين الجانبين انتهت باستشهاد بعض المعتصمين ودارت اشتباكات بين الجانبين.
وتم إقامة محكمة عسكرية من محاكم أمن الدولة برئاسة مصطفى طلاس في حمص، قُدِّمَ إليها الشيخ مروان وإخوانه من المعتقلين، وتمت محاكمتهم محاكمة صورية، وتم إصدار أحكامها المقررة سلفاً، وقد دار حوار جريء جداً بين الشيخ مروان وبين قاضيه وخصمه العسكري:
مصطفى طلاس في بعض الجلسات التي كانت علنية وتُنقَل على الهواء مباشرةً جاء فيه ما يلي:
قال طلاس للشيخ مروان: أنت عميل.
قال مروان لطلاس: أنا عميلٌ لله.
قال طلاس: أنت مأجور.
قال مروان: أنا مأجورٌ من الله.
قال طلاس: حكمت عليك المحكمة بالإعدام شنقاً حتى الموت.
فرد مروان بابتسامة ساخرة: والله يا مسكين لو عرفتُ أنّ بيدك الموت والحياة لعبدتُّكَ من دون الله.
فضجت الصالة بالتصفيق الحاد، والصراخ والاستهزاء بالمحكمة، هنا قاموا فوراً بقطع الكهرباء عن صالة المحكمة، وتم إيقاف البث الإذاعي المباشر.
وحكموا عليه بالإعدام في محكمة صورية برئاسة المقدم مصطفى طلاس، ولكن الحكم لم يُنفذ، وأُطلِقَ سراح مروان والمسجونين بعدما تدخل الشيخ محمد الحامد وعلماء حماة عند رئيس الجمهورية أمين الحافظ آنذاك.
تعرض رحمه الله للاغتيال أكثر من مرة، وقد حاولت السلطات البعثية قتله عام 1964 في مسجد السلطان أو حتى أن يعدم شنقاً لولا عفو الرئيس أمين الحافظ بمبادرة العلماء، وأرادوا قتله عام 1966 ليلة أن قتلوا المرحوم الشهيد عثمان الأمين في بيته، وقتلوا الشهيد حسن عصفور تحت التعذيب، إذ اعتقل مروان في الليلة نفسها، و أرادوا اعتقاله في أوائل شهر آذار 1973 في منزله الكائن في حي البارودية وكادوا يقتلون ابن أخته لولا أن حذَّرهم أحد المباحث أن هذا غير مروان.
وفي صبيحة يوم 30 يونيو 1975 قُرِعَ باب بيته، ولما فتح الباب وجد نفسه مطوقا بقوة من رجال الأمن الذين حاولوا إلقاء القبض عليه بعد أن أطلقوا عليه الرصاص وأصيب بكتفه، إلا أن بعض الأخوة الذين كانوا معه وزوجته وزوجة أخ آخر باشروا المقاومة المسلحة، ولساعاتٍ عديدة حتى استشهد أحدهم وجُرٍح الآخر، وتمكنت السلطة من إلقاء القبض على أخوين آخرين لا زالا في السجن لم تُصرح السلطة عن مصيرهُما حتى الساعة، وأُطلِقَ سراح الزوجتين بعد قرابة الشهر.
تعرض مروان للتعذيب بالأضواء المبُهِرة، وكان أعظمَ وأَشدَّ تعذيبا على نفسه، وإن أخسَّ ما اتبعوه معه من وسائل قذرة واستطاعوا أن يكبلوا به قواه ويحدوا من مقاومته هو كشف قُبُلِهِ ودبُرِه، ومروان معروف بشدة حيائه وخجله فإذا دخلوا عليه الزنزانة انكمش على نفسه ليتستر عورته التي أرادوا كشفها وأراد الله سترها، ويستغلوا هذه الحالة ليكيلوا له صنوف التعذيب، بهذه الطريقة تمكنوا من السيطرة على مروان، وإلا ليكيل لهم الكلمة بكلمة والصاع بصاعين، ثم قطعوا عنه الطعام وأجاعوه، حتى خارت قواه، وأحياناً كانوا يقدمون له الطعام بعد أن يمزجوه أمام ناظريه بالأقذار، فصار يأبى أن يأكل من هذا الطعام القذر.
وفي مساء أحد الأيام عاد إليه أهله ليجدوه يجود بروحه الطاهرة، وقد أشار إليهم بإصبعه إلى رقبته وأنه قد أعطي حقنة في عنقه، وإذ بالأجهزة الطبية تشير إلى أن ضغطه أخذ يهبط من جديد، وأن حالته صارت تسوء وتسوء، ثم فاضت روحه طاهرة زكيه إلى بارئها لتلتقي مع ركب الشهداء شهر يونيو عام 1976.
استشهد مروان ولم يُسمح لأهله بدفنه في حماة، فدُفِنَ في دمشق في مقبرة الباب الصغير تحت حراسة الأمن المشددة التي أحاطت بالمكان، وبعد دفنه بقيت الحراسة على القبر شهوراً حيث كانوا يعتقلون كل من يزور القبر!
نشيد الشهيد
شعر/ مروان حديد
عاد بعد الموت حيا
ذكره كان عليا
في جنان الخلد يمشي
هانئ النفس رضيا
كان في الدنيا شجاعا
ثابت الخطو أبيا
لم يكن يخشى كفورا
أو ظلوما أو شقيا
لم يكن يرضى بذل
منذ أن كان تقيا
إنما يرضى بذل
كل من كان عصيا
عاهد الرحمن يوما
منذ أن كان صبيا
أن يعيش العمر دوما
طاهرا حرا نقيا
في حمى الرحمن يمضي
عزمه كان فتيا
عيشه كان جهادا
ثم حبا أخويا
في كتاب الله يتلو
خاشع القلب شجيا
مع شباب لم يراؤوا
كلهم كان زكيا
كان يرجو أن ينال
الخلد خلدا أبديا
فلقد ضحى بروح
للفدا كان حريا
ولقد أوفى بعهد
إنه كان وفيا
إنه والله حقا
كان شهما أريحيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
علاء الدين- عضو Golden
- عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51269
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013
رد: الشاعر السوري مروان حديد.. شهيد المحنة!
الف شكر لك علي جهودك
الامبراطورة- عضو Golden
- عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57284
الجوائز :
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013
مواضيع مماثلة
» بنان علي الطنطاوي والنظام السوري
» إبراهيم هنانو المجاهد السوري
» مروان كجك ابن "تلكلخ" المجاهدة
» عبد القادر الحسيني.. شهيد الأمة!
» أم مجاهد.. مسيرة زوجة شهيد على قمة النجاح
» إبراهيم هنانو المجاهد السوري
» مروان كجك ابن "تلكلخ" المجاهدة
» عبد القادر الحسيني.. شهيد الأمة!
» أم مجاهد.. مسيرة زوجة شهيد على قمة النجاح
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى