الناقد علي الحمود: الساحة الثقافية السعودية تعاني من الفوضى
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الناقد علي الحمود: الساحة الثقافية السعودية تعاني من الفوضى
قال
الناقد الدكتور علي الحمود إن المشهد الثقافي السعودي أصبح يعاني من حالة
فوضى، بدأت تظهر بوادرها من خلال المستوى الذي وصلت إليه الرواية المحلية
في العقد الأخير، وقال إن الرواية ومع أنها أصبحت الأكثر شعبية، إلاّ أن
غالب الأعمال التي صدرت أخيراً جمعت بين سوء المضمون والضعف الفني. وذكر أن
الرواية استقطبت الكثير من الشعراء والأكاديميين والصحفيين، واعتبر أن
ذلك ظاهرة تستدعي الدراسة والبحث.
واستعرض الحمود واقع النقد الأدبي،
وذهب إلى أن النقد ابتعد عن وظيفته الأساسية، وأرجع ذلك إلى اعتقاد بعض
النقاد بأنهم يحتلون منـزلة أعلى من منزلة منشئي الأدب، وقال: إن السنوات
الأخيرة شهدت قراءات نقدية هي أبعد ما تكون عن النقد بمعناه الصحيح. وأضاف:
إن مشكلة هذه الدراسات التي انتشرت أنها تساهم في نشر الفوضى الأدبية، من
خلال غياب دور النقد الأدبي السليم الذي يقوم بدوره المهم في دراسة النصوص
الأدبية.
وأكد في حوار مع (الإسلام اليوم) أن الأجيال الجديدة من
المبدعين تحتاج إلى القراءة الواعية العميقة للنماذج الأدبية الأصيلة؛
للإسهام في تشكيل تجاربهم، وتعميق فهمهم بطبيعة الأدب، كما أنهم يحتاجون
إلى النقد الحقيقي الذي يُقوّم تجاربهم بصدق، ويرشدهم إلى الجوانب
الإيجابية والسلبية فيها.
بدأ
الناقد الأدبي في أيامنا هذه يشغل وظيفة أخرى غير وظيفة النظر إلى النص
الأدبي وتذوقه بامتداد مساحة النقد لديه لتشمل ما وراء النص من أفكار
وقراءة الشخصيات. كيف ترون هذا المنهج وأثره على الرقي بخطابنا النقدي؟
إذا
أردت الوقوف عند الرؤية التي أبعدت النقد الأدبي عن وظيفته الأساس، فإنه
من الضروري البحث عن الأسباب الحقيقية لذلك. ومن وجهة نظري المتواضعة
المبنية على المتابعة الدقيقة لساحتنا النقدية بعامة، وعند بعض النقاد
الذين انحرفوا بالنقد الأدبي عن وظيفته الرئيسة بخاصة، أجد أنّ من أبرز
الأسباب التي أدت إلى ذلك اعتقاد بعض النقاد بأنهم يحتلون منـزلة أعلى من
منزلة منشئي الأدب؛ فالنصوص الأدبية التي أنتجها أدباؤنا لا ترقى إلى
المكانة العلمية العالية التي يحتلونها؛ مما دفعهم إلى البحث عن جوانب
بعيدة عن طبيعة الأدب ونقده، مثل ما يُعرف بالنقد الثقافي.
ومن هنا
ظهرت قراءات نقدية – إن صحّت التسمية – هي أبعد ما تكون عن موضوع النقد
الأدبي وطبيعته، وبدا أن ما يقدّمونه يمكن أن يُدرج تحت أي شيء إلاّ النقد
الأدبي!
ومشكلة هذه الدراسات التي انتشرت أنها تساهم في نشر الفوضى
الأدبية، من خلال غياب دور النقد الأدبي السليم الذي يقوم بدوره المهم في
دراسة النصوص الأدبية.
وأرى أن بوادر الفوضى الأدبية بدأت تظهر بوضوح في المشهد الأدبي المحلي، ومن أبرز مظاهرها مستوى الرواية المحلية في العقد الأخير.
واقع المشهد الروائي الخليجي كيف يقيّمه الدكتور علي الحمود؟
يحتاج الحديث عن المشهد الروائي الخليجي إلى مساحة كبيرة؛ نظراً لتشعّب
الموضوع، وتعدّد الرؤى، واختلاف المنطلقات، التي يمكن التعبير عنها، ولكن
يمكن إيجاز ذلك من خلال الوقوف عند بعض النقاط، منها:
1 – تُعدُّ
الرواية في الآونة الأخيرة من أكثر الأجناس الأدبية انتشاراً في وقتنا
الحاضر، ويؤكد ذلك كثرة الروايات الصادرة، وانتشار الدراسات النقدية
الصحفية والعلمية المهتمة بها.
2 – حضور المرأة الروائية بصورة لافتة للنظر.
3
– إقبال شرائح اجتماعية متنوعة على الكتابة الروائية؛ فنجد شعراء كبار،
وكُتّاب قصة قصيرة، وصحافيين وأساتذة جامعات وغيرهم، وهذه الظاهرة تحتاج
إلى دراسة وتعليل.
وفي هذا المقام أشير إلى أن معظم ذلك النتاج جمع بين
المضمون السيئ والضعف الفني؛ وساهم في ذلك غياب النقد الحقيقي العلمي الذي
يدرس النصوص كاشفاً عن جوانب الإحسان والإخفاق دون مجاملة أو محاباة، ولكن
الواقع النقدي قدّم بعض الروائيين المبتدئين بوصفهم كُتّاباً كباراً، وقدّم
رواياتهم الضعيفة: فنياً ومضموناً، بوصفها نصوصاً إبداعية ساهمت في تطوير
الأدب السعودي المعاصر، وهذه الفوضى الأدبية النقدية لا أعلم إلى أين ستمضي
بنا!!
هل أصبح الإعلام في زمننا هذا هو الذي يتكفل وحده بصناعة الناقد؟
للإعلام دور مهم وحاسم في الحركة الأدبية والنقدية، ولكن بطبيعة الحال لا يمكن أن يصنع ناقداً موهوباً.
إنّ
الإعلام يستطيع أن يُقدّم الناقد، ويمهد له الطريق، ويجعله علماً بارزاً
في الساحة الأدبية والنقدية، ولكن نقص الموهبة أو افتقادها يجعله يتوارى
تدريجياً عن الساحة، بعد أن يكتشف القارئ أن هذا الناقد مصنوع وليس
موهوباً!
ومن هذا المنطلق أرى أن الإعلام يمكن أن يقدم الشهرة والمساحة
لناقد ما، وأن يتيح له الفرصة تلو الأخرى للبروز، ولكن النهاية الحتمية
لهذا النوع من النقاد المصنوعين الانزواء والابتعاد.
أما الناقد الحق
فهو ذلك الناقد الذي يملك موهبة فذة وذوقاً سليماً يمكّنه من فهم الأدب،
والكشف عن مواطن الجمال فيه، ورسم الخطوط العريضة لما ينبغي أن يكون عليه
النص الأدبي، وهذا النوع من النقاد، وإن غيبتهم وسائل الإعلام مؤقتاً، فإنه
سيأتي الوقت الذي يُنصفون فيه.
هل "التراث والمعاصرة" هما جناحا الدراسة النقدية الواعية المثمرة أم أن "لكل زمان دولة ورجال" كما يُقال؟
تُعدّ قضية التراث والمعاصرة، والقديم والجديد، من أهم القضايا النقدية التي نالت عناية كبرى من النقد والنقاد عبر مختلف العصور.
والإشكالية
التي نعاني منها في نقدنا المعاصر تتمثل في تبني طائفة من النقّاد مناهج
نقدية ترتكز على قطع الصلة بالتراث النقدي؛ وهكذا قطع أولئك النقاد صلتهم
بالتراث النقدي العربي، أو حملوا عليه، فاتهموه بالجمود والتخلف.
وبالنظر
إلى ما قدّموا من رؤى نجدها لا تتجاوز أن تكون مجرّد محاكاة فجّة قاصرة
لبعض المناهج النقدية الحداثية التي نشأت في الغرب، متناسين أن المناهج
النقدية والأدبية تنشأ نتيجة لحاجة المجتمعات وخصوصيّتها، ومن نافلة القول
الإشارة إلى أن كل مجتمع له قيمه وثوابته التي تميّزه عن غيره؛ لذلك لم
تحقق تلك المناهج أي إضافة إلى مشهدنا الأدبي والنقدي.
ومن جرّاء ذلك
شاعت في مشهدنا الثقافي مناهج نقدية ومقولات نقدية عجيبة تبرز بوضوح
منطلقات تلك المناهج، ومنها: موت المؤلف، والتشريحية، والتفكيكية، ومن
المقولات: موت النقد الأدبي، والأسلوبية الوريث الشرعي للبلاغة العربية.
وأنا
أترك للقارئ الكريم تأمُّل مثل هذه المسميات والمقولات التي تبرز الموقف
من الآخر؛ فالنقد عندهم قوامه الهدم، أما مقولاتهم فتعبر عن رفض الآخر، بل
تعمل على إلغائه بكل الوسائل، ومن هنا أقول بالطريقة نفسها التي يفكرون
بها: مات الذوق الأدبي عندهم!!
إن النقد الأدبي في حقيقته عملية بناء
وإصلاح وتقويم، قوامه ذوق سليم واستعداد فطري، تؤازره معرفة واسعة، وخبرة
في التعامل مع النصوص المختلفة.
ومن هذا المنطلق أرى أن أي نظرية نقدية
أو منهج نقدي لا يمكن أن يحقق ما نصبو إليه إلاّ إذا كان نابعاً من
المجتمع، ومعبراً عن خصوصيته، ومرتكزاً على معطيات التراث الذي تشكل عبر
قرون من الزمان.
وتراثنا النقدي ما زال بحاجة إلى دراسات نقدية جادّة تكشف عن بعض ما فيه من جماليات ورؤى عميقة لم تُكشف بعد.
إن
كثيراً من الدراسات النقدية التي اتجهت إلى تراثنا النقدي تعاملت معه –
غالباً – تعاملاً وفق نظرة جزئية، عجزت عن تقديم صورة حقيقية له. إننا
بحاجة إلى قراءات جادة جديدة تتسم بالشمولية، لتقدم نظرية أو نظريات نقدية
عربية ننطلق منها لنقدم للعالم صورة مشرقة متميزة لتراثنا النقدي الغني.
ما الذي يحتاجه الجيل الجديد في نظركم لتدعيم روافد التوهج الأدبي لديه؟
يحتاج الجيل الجديد من المبدعين إلى القراءة الواعية العميقة للنماذج
الأدبية الأصيلة؛ للإسهام في تشكيل تجاربهم، وتعميق فهمهم بطبيعة الأدب.
ويحتاجون – أيضاً – إلى النقد الحقيقي الذي يُقوّم تجاربهم بصدق، ويرشدهم إلى الجوانب الإيجابية والسلبية فيها.
ولعلي
لا أجاوز الحقيقة إذا ما ذهبت إلى أن سمة الصبر من أهم السمات التي يحتاج
إليها المبدع الشاب؛ لأن الإبداع الحقيقي في مشهدنا الثقافي الحالي يقابل –
غالباً – بالتجاهل من قبل كثير من وسائل الإعلام، مما يدفع بعض المبدعين
الشباب إلى التوقف عن الكتابة، أو الخضوع لمتطلبات تلك الوسائل؛ بحثاً عن
البروز السريع والشهرة الزائفة.
يُتّهم الخطاب الإسلامي في الأدب بأنه خطاب ردة فعل يتمثل في الرد والصدى للموضوعات الأخرى، لا خطاب فعل. كيف يرى ذلك الدكتور علي؟
الحديث عن الخطاب الإسلامي في الأدب والنقد الإسلاميين حديث ذو شجون،
ويحتاج إلى وقفات متأنية، تكشف عن حقيقته واهتماماته والموقف منه، ولكن
بصورة عامة، أقول: إنه خطاب فاعل ومؤثر، يتسم بالمبادرة، وليس أدل على ذلك
من ردة الفعل القوية من الطرف الآخر؛ إذ نجد محاولات قوية لتضييق الخناق
عليه بكل الوسائل الممكنة؛ لأنهم شعروا بقوته، ولكن بفضل الله تعالى، ثم
الجهود المضنية من المهتمين بالنقد الإسلامي والمؤمنين به، تمكن من أن يكون
له حضور قوي في مشهدنا الثقافي، على الرغم من ضيق المساحة المتاحة له.
وأنبه
هنا إلى أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق أصحاب الاتجاه الإسلامي في
الأدب والنقد تتمثل في العمل على توضيح وجهة نظرهم المغيبة، والإجابة عن
التساؤلات المطروحة حول المصطلح في كل مناسبة ممكنة.
هل يعتبر الدكتور علي إثارة مكامن الألم المجتمعي في الرواية من قبيل التجني على المجتمع أم من قبيل المعالجة لأوضاعه؟
من حق الروائي أن يتحدث عن أي مشكلة اجتماعية يعاني منها مجتمعه، ولكن
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: ما الهدف من وراء ذلك الطرح؟
ومن
خلال متابعتي الدقيقة والمتواصلة لهذه القضية عبر خمسة عشر عاماً أجد أن
معظم ما يُطرح من قضايا يمثل حالات فردية شاذة، يتم التعامل معها بوصفها
ظواهر عامة، أو حقائق ثابتة، ومن ناحية أخرى فإن معظم تلك الروايات في
أثناء عرضها مواقف الشر والرذيلة والانحراف والفحش لا تنقدها، بل تقدمها
بوصفها أموراً طبيعية، وأقول هنا إن المجال واسع أمام الروائي؛ إذ يستطيع
أن يتحدث عن ألم مجتمعه وقضاياه، ولكن عليه أن يكون صادقاً في عرضه،
ومخلصاً في طرحه، فينفّر من الشر والرذيلة، ويزيّن الفضيلة، في عيون
القرّاء، وبخاصة أنهم – غالباً – من فئة الشباب.
يعاني خطاب النقد السعودي من أزمة في تأصيل المصطلح النقدي لديه. كيف تفسرون ذلك؟
تتمثل أزمة الخطاب النقدي في بلادنا في جوانب كثيرة، منها:
-وجود فجوة واسعة بين اتجاهات النقد في بلادنا، أدّت إلى تباين شاسع في الأحكام النقدية.
-الاهتمام
الكبير بالجوانب التنظيرية، وبخاصة عند أصحاب النقد الحداثي؛ فغدت نصوصهم
النقدية لا تعبر بأي حال من الأحوال عن واقع أدبنا، وعبرت بجلاء عن انفصال
النقد عن الإبداع.
-سيطرة النقد الصحفي على الحركة الأدبية، وهو نقد غالباً ما يخلو من الدقة والعمق، ويتسم بالمجاملة.
-غياب وظيفة النقد الحقيقية عن الساحة، ومن ثم غياب الناقد الحقيقي.
-الارتماء في أحضان النظريات الغربية الحداثية بصورة فجة غير مسوّغة.
وهذه العوامل وغيرها أدت إلى ظهور خطاب نقدي غير واضح المعالم، مجهول الهوية والهدف.
كانت
القصيدة في بداية التكوين النقدي العربي هي"الشغل الشاغل" لدى الناقد
الأدبي، بينما صارت الرواية في أيامنا هذه هي شغله الشاغل. كيف تفسرون ظروف
هذا التبادل؟
كان الشعر في السابق ديوان العرب، أما اليوم فنحن نعيش عصر الرواية أو زمن
الرواية، وهذه الأمر أعني التحوّل إلى الرواية، لا بد له من أسباب حقيقية،
ومن وجهة نظري أرى أن الشعر الحداثي بما يحفل من رموز مرتبطة بأساطير
غربية، يُضاف إلى ذلك الغموض الطاغي الذي أفقده حضوره، ودفع متذوقيه إلى
هجره إلى الرواية بحثاً عن الوضوح والمتعة.
فغموض الشعر الحداثي، أبعد
القرّاء عنه، واتجهوا إلى الرواية، واستجاب النقد الأدبي لهذا التحوّل
استجابة كبيرة، وظهر مجموعة من النقّاد المختصين بالنقد الروائي، وبالنظر
إلى معارض الكتب المتعاقبة، والصفحات الأدبية فلن يجد المتابع عناء في
الوصول إلى أن النقد الروائي هو الشغل الشاغل للنقاد في عصرنا هذا.
الناقد الدكتور علي الحمود إن المشهد الثقافي السعودي أصبح يعاني من حالة
فوضى، بدأت تظهر بوادرها من خلال المستوى الذي وصلت إليه الرواية المحلية
في العقد الأخير، وقال إن الرواية ومع أنها أصبحت الأكثر شعبية، إلاّ أن
غالب الأعمال التي صدرت أخيراً جمعت بين سوء المضمون والضعف الفني. وذكر أن
الرواية استقطبت الكثير من الشعراء والأكاديميين والصحفيين، واعتبر أن
ذلك ظاهرة تستدعي الدراسة والبحث.
واستعرض الحمود واقع النقد الأدبي،
وذهب إلى أن النقد ابتعد عن وظيفته الأساسية، وأرجع ذلك إلى اعتقاد بعض
النقاد بأنهم يحتلون منـزلة أعلى من منزلة منشئي الأدب، وقال: إن السنوات
الأخيرة شهدت قراءات نقدية هي أبعد ما تكون عن النقد بمعناه الصحيح. وأضاف:
إن مشكلة هذه الدراسات التي انتشرت أنها تساهم في نشر الفوضى الأدبية، من
خلال غياب دور النقد الأدبي السليم الذي يقوم بدوره المهم في دراسة النصوص
الأدبية.
وأكد في حوار مع (الإسلام اليوم) أن الأجيال الجديدة من
المبدعين تحتاج إلى القراءة الواعية العميقة للنماذج الأدبية الأصيلة؛
للإسهام في تشكيل تجاربهم، وتعميق فهمهم بطبيعة الأدب، كما أنهم يحتاجون
إلى النقد الحقيقي الذي يُقوّم تجاربهم بصدق، ويرشدهم إلى الجوانب
الإيجابية والسلبية فيها.
بدأ
الناقد الأدبي في أيامنا هذه يشغل وظيفة أخرى غير وظيفة النظر إلى النص
الأدبي وتذوقه بامتداد مساحة النقد لديه لتشمل ما وراء النص من أفكار
وقراءة الشخصيات. كيف ترون هذا المنهج وأثره على الرقي بخطابنا النقدي؟
إذا
أردت الوقوف عند الرؤية التي أبعدت النقد الأدبي عن وظيفته الأساس، فإنه
من الضروري البحث عن الأسباب الحقيقية لذلك. ومن وجهة نظري المتواضعة
المبنية على المتابعة الدقيقة لساحتنا النقدية بعامة، وعند بعض النقاد
الذين انحرفوا بالنقد الأدبي عن وظيفته الرئيسة بخاصة، أجد أنّ من أبرز
الأسباب التي أدت إلى ذلك اعتقاد بعض النقاد بأنهم يحتلون منـزلة أعلى من
منزلة منشئي الأدب؛ فالنصوص الأدبية التي أنتجها أدباؤنا لا ترقى إلى
المكانة العلمية العالية التي يحتلونها؛ مما دفعهم إلى البحث عن جوانب
بعيدة عن طبيعة الأدب ونقده، مثل ما يُعرف بالنقد الثقافي.
ومن هنا
ظهرت قراءات نقدية – إن صحّت التسمية – هي أبعد ما تكون عن موضوع النقد
الأدبي وطبيعته، وبدا أن ما يقدّمونه يمكن أن يُدرج تحت أي شيء إلاّ النقد
الأدبي!
ومشكلة هذه الدراسات التي انتشرت أنها تساهم في نشر الفوضى
الأدبية، من خلال غياب دور النقد الأدبي السليم الذي يقوم بدوره المهم في
دراسة النصوص الأدبية.
وأرى أن بوادر الفوضى الأدبية بدأت تظهر بوضوح في المشهد الأدبي المحلي، ومن أبرز مظاهرها مستوى الرواية المحلية في العقد الأخير.
واقع المشهد الروائي الخليجي كيف يقيّمه الدكتور علي الحمود؟
يحتاج الحديث عن المشهد الروائي الخليجي إلى مساحة كبيرة؛ نظراً لتشعّب
الموضوع، وتعدّد الرؤى، واختلاف المنطلقات، التي يمكن التعبير عنها، ولكن
يمكن إيجاز ذلك من خلال الوقوف عند بعض النقاط، منها:
1 – تُعدُّ
الرواية في الآونة الأخيرة من أكثر الأجناس الأدبية انتشاراً في وقتنا
الحاضر، ويؤكد ذلك كثرة الروايات الصادرة، وانتشار الدراسات النقدية
الصحفية والعلمية المهتمة بها.
2 – حضور المرأة الروائية بصورة لافتة للنظر.
3
– إقبال شرائح اجتماعية متنوعة على الكتابة الروائية؛ فنجد شعراء كبار،
وكُتّاب قصة قصيرة، وصحافيين وأساتذة جامعات وغيرهم، وهذه الظاهرة تحتاج
إلى دراسة وتعليل.
وفي هذا المقام أشير إلى أن معظم ذلك النتاج جمع بين
المضمون السيئ والضعف الفني؛ وساهم في ذلك غياب النقد الحقيقي العلمي الذي
يدرس النصوص كاشفاً عن جوانب الإحسان والإخفاق دون مجاملة أو محاباة، ولكن
الواقع النقدي قدّم بعض الروائيين المبتدئين بوصفهم كُتّاباً كباراً، وقدّم
رواياتهم الضعيفة: فنياً ومضموناً، بوصفها نصوصاً إبداعية ساهمت في تطوير
الأدب السعودي المعاصر، وهذه الفوضى الأدبية النقدية لا أعلم إلى أين ستمضي
بنا!!
هل أصبح الإعلام في زمننا هذا هو الذي يتكفل وحده بصناعة الناقد؟
للإعلام دور مهم وحاسم في الحركة الأدبية والنقدية، ولكن بطبيعة الحال لا يمكن أن يصنع ناقداً موهوباً.
إنّ
الإعلام يستطيع أن يُقدّم الناقد، ويمهد له الطريق، ويجعله علماً بارزاً
في الساحة الأدبية والنقدية، ولكن نقص الموهبة أو افتقادها يجعله يتوارى
تدريجياً عن الساحة، بعد أن يكتشف القارئ أن هذا الناقد مصنوع وليس
موهوباً!
ومن هذا المنطلق أرى أن الإعلام يمكن أن يقدم الشهرة والمساحة
لناقد ما، وأن يتيح له الفرصة تلو الأخرى للبروز، ولكن النهاية الحتمية
لهذا النوع من النقاد المصنوعين الانزواء والابتعاد.
أما الناقد الحق
فهو ذلك الناقد الذي يملك موهبة فذة وذوقاً سليماً يمكّنه من فهم الأدب،
والكشف عن مواطن الجمال فيه، ورسم الخطوط العريضة لما ينبغي أن يكون عليه
النص الأدبي، وهذا النوع من النقاد، وإن غيبتهم وسائل الإعلام مؤقتاً، فإنه
سيأتي الوقت الذي يُنصفون فيه.
هل "التراث والمعاصرة" هما جناحا الدراسة النقدية الواعية المثمرة أم أن "لكل زمان دولة ورجال" كما يُقال؟
تُعدّ قضية التراث والمعاصرة، والقديم والجديد، من أهم القضايا النقدية التي نالت عناية كبرى من النقد والنقاد عبر مختلف العصور.
والإشكالية
التي نعاني منها في نقدنا المعاصر تتمثل في تبني طائفة من النقّاد مناهج
نقدية ترتكز على قطع الصلة بالتراث النقدي؛ وهكذا قطع أولئك النقاد صلتهم
بالتراث النقدي العربي، أو حملوا عليه، فاتهموه بالجمود والتخلف.
وبالنظر
إلى ما قدّموا من رؤى نجدها لا تتجاوز أن تكون مجرّد محاكاة فجّة قاصرة
لبعض المناهج النقدية الحداثية التي نشأت في الغرب، متناسين أن المناهج
النقدية والأدبية تنشأ نتيجة لحاجة المجتمعات وخصوصيّتها، ومن نافلة القول
الإشارة إلى أن كل مجتمع له قيمه وثوابته التي تميّزه عن غيره؛ لذلك لم
تحقق تلك المناهج أي إضافة إلى مشهدنا الأدبي والنقدي.
ومن جرّاء ذلك
شاعت في مشهدنا الثقافي مناهج نقدية ومقولات نقدية عجيبة تبرز بوضوح
منطلقات تلك المناهج، ومنها: موت المؤلف، والتشريحية، والتفكيكية، ومن
المقولات: موت النقد الأدبي، والأسلوبية الوريث الشرعي للبلاغة العربية.
وأنا
أترك للقارئ الكريم تأمُّل مثل هذه المسميات والمقولات التي تبرز الموقف
من الآخر؛ فالنقد عندهم قوامه الهدم، أما مقولاتهم فتعبر عن رفض الآخر، بل
تعمل على إلغائه بكل الوسائل، ومن هنا أقول بالطريقة نفسها التي يفكرون
بها: مات الذوق الأدبي عندهم!!
إن النقد الأدبي في حقيقته عملية بناء
وإصلاح وتقويم، قوامه ذوق سليم واستعداد فطري، تؤازره معرفة واسعة، وخبرة
في التعامل مع النصوص المختلفة.
ومن هذا المنطلق أرى أن أي نظرية نقدية
أو منهج نقدي لا يمكن أن يحقق ما نصبو إليه إلاّ إذا كان نابعاً من
المجتمع، ومعبراً عن خصوصيته، ومرتكزاً على معطيات التراث الذي تشكل عبر
قرون من الزمان.
وتراثنا النقدي ما زال بحاجة إلى دراسات نقدية جادّة تكشف عن بعض ما فيه من جماليات ورؤى عميقة لم تُكشف بعد.
إن
كثيراً من الدراسات النقدية التي اتجهت إلى تراثنا النقدي تعاملت معه –
غالباً – تعاملاً وفق نظرة جزئية، عجزت عن تقديم صورة حقيقية له. إننا
بحاجة إلى قراءات جادة جديدة تتسم بالشمولية، لتقدم نظرية أو نظريات نقدية
عربية ننطلق منها لنقدم للعالم صورة مشرقة متميزة لتراثنا النقدي الغني.
ما الذي يحتاجه الجيل الجديد في نظركم لتدعيم روافد التوهج الأدبي لديه؟
يحتاج الجيل الجديد من المبدعين إلى القراءة الواعية العميقة للنماذج
الأدبية الأصيلة؛ للإسهام في تشكيل تجاربهم، وتعميق فهمهم بطبيعة الأدب.
ويحتاجون – أيضاً – إلى النقد الحقيقي الذي يُقوّم تجاربهم بصدق، ويرشدهم إلى الجوانب الإيجابية والسلبية فيها.
ولعلي
لا أجاوز الحقيقة إذا ما ذهبت إلى أن سمة الصبر من أهم السمات التي يحتاج
إليها المبدع الشاب؛ لأن الإبداع الحقيقي في مشهدنا الثقافي الحالي يقابل –
غالباً – بالتجاهل من قبل كثير من وسائل الإعلام، مما يدفع بعض المبدعين
الشباب إلى التوقف عن الكتابة، أو الخضوع لمتطلبات تلك الوسائل؛ بحثاً عن
البروز السريع والشهرة الزائفة.
يُتّهم الخطاب الإسلامي في الأدب بأنه خطاب ردة فعل يتمثل في الرد والصدى للموضوعات الأخرى، لا خطاب فعل. كيف يرى ذلك الدكتور علي؟
الحديث عن الخطاب الإسلامي في الأدب والنقد الإسلاميين حديث ذو شجون،
ويحتاج إلى وقفات متأنية، تكشف عن حقيقته واهتماماته والموقف منه، ولكن
بصورة عامة، أقول: إنه خطاب فاعل ومؤثر، يتسم بالمبادرة، وليس أدل على ذلك
من ردة الفعل القوية من الطرف الآخر؛ إذ نجد محاولات قوية لتضييق الخناق
عليه بكل الوسائل الممكنة؛ لأنهم شعروا بقوته، ولكن بفضل الله تعالى، ثم
الجهود المضنية من المهتمين بالنقد الإسلامي والمؤمنين به، تمكن من أن يكون
له حضور قوي في مشهدنا الثقافي، على الرغم من ضيق المساحة المتاحة له.
وأنبه
هنا إلى أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق أصحاب الاتجاه الإسلامي في
الأدب والنقد تتمثل في العمل على توضيح وجهة نظرهم المغيبة، والإجابة عن
التساؤلات المطروحة حول المصطلح في كل مناسبة ممكنة.
هل يعتبر الدكتور علي إثارة مكامن الألم المجتمعي في الرواية من قبيل التجني على المجتمع أم من قبيل المعالجة لأوضاعه؟
من حق الروائي أن يتحدث عن أي مشكلة اجتماعية يعاني منها مجتمعه، ولكن
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: ما الهدف من وراء ذلك الطرح؟
ومن
خلال متابعتي الدقيقة والمتواصلة لهذه القضية عبر خمسة عشر عاماً أجد أن
معظم ما يُطرح من قضايا يمثل حالات فردية شاذة، يتم التعامل معها بوصفها
ظواهر عامة، أو حقائق ثابتة، ومن ناحية أخرى فإن معظم تلك الروايات في
أثناء عرضها مواقف الشر والرذيلة والانحراف والفحش لا تنقدها، بل تقدمها
بوصفها أموراً طبيعية، وأقول هنا إن المجال واسع أمام الروائي؛ إذ يستطيع
أن يتحدث عن ألم مجتمعه وقضاياه، ولكن عليه أن يكون صادقاً في عرضه،
ومخلصاً في طرحه، فينفّر من الشر والرذيلة، ويزيّن الفضيلة، في عيون
القرّاء، وبخاصة أنهم – غالباً – من فئة الشباب.
يعاني خطاب النقد السعودي من أزمة في تأصيل المصطلح النقدي لديه. كيف تفسرون ذلك؟
تتمثل أزمة الخطاب النقدي في بلادنا في جوانب كثيرة، منها:
-وجود فجوة واسعة بين اتجاهات النقد في بلادنا، أدّت إلى تباين شاسع في الأحكام النقدية.
-الاهتمام
الكبير بالجوانب التنظيرية، وبخاصة عند أصحاب النقد الحداثي؛ فغدت نصوصهم
النقدية لا تعبر بأي حال من الأحوال عن واقع أدبنا، وعبرت بجلاء عن انفصال
النقد عن الإبداع.
-سيطرة النقد الصحفي على الحركة الأدبية، وهو نقد غالباً ما يخلو من الدقة والعمق، ويتسم بالمجاملة.
-غياب وظيفة النقد الحقيقية عن الساحة، ومن ثم غياب الناقد الحقيقي.
-الارتماء في أحضان النظريات الغربية الحداثية بصورة فجة غير مسوّغة.
وهذه العوامل وغيرها أدت إلى ظهور خطاب نقدي غير واضح المعالم، مجهول الهوية والهدف.
كانت
القصيدة في بداية التكوين النقدي العربي هي"الشغل الشاغل" لدى الناقد
الأدبي، بينما صارت الرواية في أيامنا هذه هي شغله الشاغل. كيف تفسرون ظروف
هذا التبادل؟
كان الشعر في السابق ديوان العرب، أما اليوم فنحن نعيش عصر الرواية أو زمن
الرواية، وهذه الأمر أعني التحوّل إلى الرواية، لا بد له من أسباب حقيقية،
ومن وجهة نظري أرى أن الشعر الحداثي بما يحفل من رموز مرتبطة بأساطير
غربية، يُضاف إلى ذلك الغموض الطاغي الذي أفقده حضوره، ودفع متذوقيه إلى
هجره إلى الرواية بحثاً عن الوضوح والمتعة.
فغموض الشعر الحداثي، أبعد
القرّاء عنه، واتجهوا إلى الرواية، واستجاب النقد الأدبي لهذا التحوّل
استجابة كبيرة، وظهر مجموعة من النقّاد المختصين بالنقد الروائي، وبالنظر
إلى معارض الكتب المتعاقبة، والصفحات الأدبية فلن يجد المتابع عناء في
الوصول إلى أن النقد الروائي هو الشغل الشاغل للنقاد في عصرنا هذا.
علاء الدين- عضو Golden
- عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51269
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013
رد: الناقد علي الحمود: الساحة الثقافية السعودية تعاني من الفوضى
الف شكر لك ويعطيك العافيه
الامبراطورة- عضو Golden
- عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57284
الجوائز :
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013
مواضيع مماثلة
» أقدم سجين فى السعودية يطلب الشفاعة عبر "اليوتيوب"
» السعودية تمنح المبلغين عن المخدرات مكافأة بنسبة 50% من قيمتها
» السعودية تحظر التجول بـ"السروال والفانلة" فى الأماكن العامة
» ريم الطويرقي د. عالمة الفيزياء السعودية ورسالتها للمرأة في العالم
» د.عبد الملك آل الشيخ: الرواية السعودية كانت شاهدة على التغيرات الاجتماعية للمملكة
» السعودية تمنح المبلغين عن المخدرات مكافأة بنسبة 50% من قيمتها
» السعودية تحظر التجول بـ"السروال والفانلة" فى الأماكن العامة
» ريم الطويرقي د. عالمة الفيزياء السعودية ورسالتها للمرأة في العالم
» د.عبد الملك آل الشيخ: الرواية السعودية كانت شاهدة على التغيرات الاجتماعية للمملكة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى