شبكة و منتديات تولف أن آر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رخص السفر ...

اذهب الى الأسفل

	رخص السفر ... Empty رخص السفر ...

مُساهمة من طرف الامبراطورة الجمعة يناير 25, 2013 11:23 am

بسم الله الرحمن الرحيم

نلمح جلياً في تعاليم الدين الإسلامي وأحكامه وشرائعه أن من أهم ما يميزه
عن غيره كونه دين قائم على اليسر والسهولة، ويتأكد ذلك بشكل أوضح عند تأمل
نصوص الكتاب والسنة الدالة على هذا المعنى كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (سورة البقرة:185)، وقوله: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (سورة النساء:28). وقوله: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} (سورة المائدة:6).

وجاءت أحاديث كثيرة لتؤكد هذا المعنى ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ..)) رواه البخاري برقم (38).

ولقد فهم أهل العلم هذا المعنى وصار من المسلَّمات حتى صاغوا القاعدة
الأصولية التي تقول: "المشقة تجلب التيسير" 1 ، وبينوا كثيراً من الأحكام
التي تجري عليها هذه القاعدة ومنها أحكام السفر للمسافر.

ذلك أن المسافر يلاقي في سفره كثيراً من المتاعب والمشاق، وصدق رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين قال في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: ((السَّفَرُ قِطْعَةٌ من الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ..)) رواه
البخاري برقم (2839)، ومسلم برقم (1927) . يقول الإمام النووي رحمه الله:
"معناه يمنعه كمالها ولذيذها لما فيه من المشقة والتعب، ومقاساة الحر
والبرد، والسري والخوف، ومفارقة الأهل والأصحاب، وخشونة العيش" 2 ، ويقول
الحافظ ابن حجر رحمه الله: "((السَّفَرُ قِطْعَةٌ من الْعَذَابِ)) أي جزء منه، والمراد بالعذاب الألم الناشئ عن المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف ..." 3.

ونظم بعضهم بعض المشاق والمتاعب في السفر فقال:

إذا قيل في الأسفار خمس فوائد أقول: وخمس لا تُقاس بها بلوى

فتضييع أموال وحمل مشـقـة وهمٌّ وأنكاد وفُرقة مَن أهـوى 4

لأجل ذلك فقد رخص الشارع الكريم للمسافر بعض الأحكام، حتى ولو فُرِضَ
خَلُّو سفره عن المشاق كما هو الحال في بعض وسائل السفر الحديثة التي أنعم
الله بها على عباده مثل الطائرات مما قد لا يكون هناك مشقة للمسافر حال
سفره، ولكن يبقى العمل بالرخص أمراً شرعياً تعبديَّاً؛ لأن الأحكام تتعلَّق
بعللها العامة وإن تخلفت في بعض الصور والأفراد، فالحكم الفرد يُلحق
بالأعم، ولا يفرد بحكم، وهذا معنى قول الفقهاء رحمهم الله: "النادر لا حكم
له" يعني لا ينقض القاعدة، ولا يخالف حكمه حكمها، وهذا أصل يجب اعتباره.

وفيما يلي نذكر أهم رخص السفر وأكثرها حاجة للمسافر:



أولاً: قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين:

يقول تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ
خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}(
سورة النساء:101) قال ابن كثير: "أي سافرتم في البلاد كما قال تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، وقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} أي تخففوا فيها إما من كميتها بأن تجعل الرباعية ثنائية كما فهمه الجمهور من هذه الآية".

وليس معنى هذا أن القصر هنا مخصوص بالخوف، وما عداه فلا يقصر فيه، فلا عبرة
هنا لهذا التخصيص؛ لما جاء في حديث يعلي بن أُمَيَّةَ قال: قلت لِعُمَرَ
بن الْخَطَّابِ: {فليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا من الصَّلَاةِ إن خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ الناس؟ فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: ((صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته)) رواه مسلم برقم (1108).

وعن أبي حنظلة الحذاء قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: ركعتان، فقلت: أين قوله: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ونحن آمنون؟ فقال: "سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" 5 .

وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنى أربع
ركعات، فقيل في ذلك لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع، ثم قال: "صليت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر بمنى
ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات
ركعتان متقبلتان
" رواه البخاري برقم (1022) ومسلم برقم (1122).

فهذه الأحاديث تدل دلالة صريحة على أن القصر ليس من شرطه وجود الخوف، وذلك
أن بعض العلماء ذهب إلى أن المقصود بقصر الصلاة هنا هو قصر الكيفية لا
الكمية (كما في صفة صلاة الخوف)، وقد رد ابن كثير على من قال ذلك بقوله:
"وأما قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإن في مبدأ الإسلام
بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام،
أو في سرية خاصة، وسائر الأحيان حرب للإسلام وأهله، والمنطوق إذا خرج مخرج
الغالب أو على حادثة فلا مفهوم له" 6 .

وعليه فقصر الصلاة الرباعية في السفر رخصة شرعية دلت عليه نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، وهو قول جمهور علماء الأمة.



ثانياً: الجمع بين صلاة الظهر والعصر، وصلاة المغرب والعشاء:

وعند الرجوع في هذه المسألة إلى أقوال العلماء نجد أنهم قد اختلفوا في هذه المسألة إلى خمسة أقوال:

القول الأول:
جواز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بعذر السفر جمع تقديمٍ
في وقت الأولى منهما، وجمع تأخيرٍ في وقت الثانية منهما، وبه قال مالك
والشافعي وأحمد في المشهور عنه والجمهور.

القول الثاني وهو يُقابِل الأول: لا يجوز
الجمع مطلقاً إلا بعرفة ومزدلفة، وهو قول الحسن والنخعي، وأبي حنيفة
وصاحبيه، وأجابوا عما رُوي من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري، وهو
أنه أخّر المغرب مثلاً إلى آخر وقتها، وعجّل العشاء في أول وقتها.

القول الثالث: وبه قال الليث، وهو المشهور عن مالك: أن الجمع يختص بمن جدّ به السير.

القول الرابع: وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن والأوزاعي: أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر.

القول الخامس:
وبه قال أحمد في رواية، واختاره ابن حزم، وهو مروي عن مالك: أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم 7 .

ولعل القول الراجح والذي يوافق يسر الشريعة هو القول بجَوَاز الْجَمْعِ
بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ للمسافر؛
حيث قد جاء في حديث عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما قوله: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء"، قال سالم: وكان عبد الله يفعله إذا أعجله السير. رواه البخاري برقم (1029) ومسلم برقم (1142).

وعن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم يجمع بينهما، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب" رواه البخاري برقم (1044).

وعن مُعَاذٍ رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم برقم (1149).

كما أن العلماء قد اتفقوا على أن الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم في وقت
الظهر بعرفة، وبين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء بمزدلفة سنة
لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد سئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "هل يَقْصُر الحاج من أهل مكة في
المشاعر؟ فأجاب: "المشهور عند أصحاب الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك والإمام
أحمد أن المكي لا يَقْصُر ولا يجمع؛ لأنه غير مسافر، إذ أن السفر ما بلغ
ثلاثة وثمانين كيلو أو أكثر، والمعروف أن عرفة هي أبعد المشاعر عن مكة لا
تبلغ هذا المبلغ، فعلى هذا لا يجمع أهل مكة ولا يقصرون، بل يُتمُّون ويصلون
كل صلاة في وقتها سواء في عرفة، أو في مزدلفة، أو في منى، وذهب أبو حنيفة
رحمه الله إلى أنهم يجمعون ويقصرون، وقال: إن هذا الجمع والقصر سببه النسك
وليس سببه السفر، فيقصرون ولو كانوا في منى وهو أقرب المشاعر إلى مكة، ولكن
الصحيح أن القصر في منى وفي عرفة وفي مزدلفة ليس سببه النسك بل سببه
السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة، بل يتقيد بالحال وهو أن الإنسان إذا خرج
تأهب واستعد لهذا الخروج، وحمل معه الزاد والشراب فهو مسافر، وإذا كان
خروجاً يسيراً فيخرج في أول النهار ويرجع في آخره؛ فهذا ليس بمسافر، وبناءً
على ذلك نقول: إن الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتزودون
للحج، أهل مكة وغير أهل مكة، ولهذا كان أهل مكة مع الرسول صلى الله عليه
وسلم في حجة الوداع يجمعون ويقصرون تبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم
يقل: يا أهل مكة أتموا، وهذا القول هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ولكن يبقى علينا في وقتنا الحاضر إذا نظرنا إلى منى وجدنا أنها أصبحت حياً
من أحياء مكة، والذي يخرج إلى منى مثل الذي يخرج إلى العزيزية؛ بل ربما
يكون بعض أفراد العزيزية الشرقية فوق منى، لذلك أرى أن من الأحوط لأهل مكة
ألا يقصروا في منى" 8 .

ونبه العلامة ابن عثيمين رحمه الله أيضاً إلى مسألة القصر في منى في اليوم
الثامن فقال: "من الناس من يبقى في منى في اليوم الثامن فيقصر ويجمع في
منى، فيجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، وهذا خلاف السنة، فإن
المشروع للناس في منى أن يقصروا الصلاة بدون جمع، هكذا جاءت السنة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الجمع جائزاً؛ لأنه في سفر، والمسافر
يجوز له الجمع نازلاً وسائراً، لكن الأفضل لمن كان نازلاً من المسافرين أن
لا يجمع إلا لسبب، ولا سبب يقتضي الجمع في منى، ولهذا كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يجمع في منى، ولكن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين،
فيصلي الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاثاً في
وقتها، والعشاء ركعتين في وقتها، والفجر في وقتها" 9 .



ثالثاً: الفطر لمن كان صائماً:

قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(سورة البقرة:184).

وعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال: كان رسول اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم في سَفَرٍ، فَرَأَى رَجُلًا قد اجْتَمَعَ الناس عليه وقد
ظُلِّلَ عليه، فقال: ((ما له))؟ قالوا: رَجُلٌ صَائِمٌ، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((ليس من الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا في السَّفَرِ)) رواه مسلم برقم (1115).



رابعاً: زيادة مدة المسح على الخفين:

فقد جعلها ثلاثة أيام بلياليهن؛ وذهب الأحناف والشافعي وأحمد وسفيان الثوري
والجمهور: إلى أن مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر سفراً لا تقصر فيه
الصلاة يوم وليلة، وللمسافر سفر قصر ثلاثة أيام ولياليها.

فيستبيح بالمسح ما يستبيحه بالغسل في هذه المدة؛ لحديث خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوماً وليلة)) 10 ، وعن شُرَيْحِ بن هَانِئٍ قال: أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين فقالت: "عليك
بابن أبي طالب فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"،
فسألناه، فقال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن
للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم
" رواه مسلم برقم (414).

ولحديث صفوان بن عسال قال: "أمرنا النبي صلى
الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثاً إذا
سافرنا، ويوماً وليلة إذا قمنا، ولا نخلعهما من غائط، ولا بول، ولا نوم،
ولا نخلعهما إلا من جنابة
" 11 .

وقال الشعبي وربيعة والليث ومالك: "لا يوقت المسح على الخفين، بل يمسح عليهما ما شاء" 12 ؛ لقول أبي بن عمارة:
يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوماً؟ قال: ((يوماً))،
قال: يومين؟ قال: ((ويومين))، قال: وثلاثة؟ قال: ((نعم وما شئت))
13 ، وهذا القول مرجوح لضعف لهذا الأثر.

وعليه فإن الراجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، فيكون المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن لمن كان مسافراً رخصة من رخص السفر.



خامساً: سقوط الجمعة على المسافر:

لأن من شروط وجوب الجمعة الإقامة، والمسافر ليس مقيماً، ولم يكن من هدي
النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الجمعة في سفره قال ابن عمر رضي الله
عنهما: "ليس للمسافر جمعة" 14 ، وقال
الشوكاني في نيل الأوطار (3/258): "واختلف في المسافر: هل تجب عليه الجمعة
إذا كان نازلاً أم لا؟ فقال الفقهاء وزيد بن علي والباقر والإمام يحي: أنها
لا تجب عليه ولو كان نازلاً وقت إقامتها"، وقال الصنعاني في سبل السلام
(3/198): "والمسافر: لا يجب عليه حضورها، وهو يحتمل أن يراد به مباشر
السفر، وأما النازل فتجب عليه ولو نزل بمقدار الصلاة، وإلى هذا ذهب جماعة
من الآل وغيرهم، وقيل لا تجب عليه لأنه داخل في لفظ المسافر، وإليه ذهب
جماعة من الآل أيضاً وغيرهم، وهو الأقرب لأن أحكام السفر باقية له من القصر
ونحوه، ولذا لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بعرفات في حجة
الوداع لأنه كان مسافراً، وكذلك العيد تسقط صلاته عن المسافر، ولذا لم يرو
عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة العيد في حجته تلك" انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (17/480): "ولا صلَّى بهم
يعني النبي *صلى الله عليه وسلم في أسفاره صلاة جمعة يخطب ثم يصلي ركعتين،
بل كان يصلي يوم الجمعة في السفر ركعتين كما يصلي في سائر الأيام، وكذلك
لما صلَّى بهم الظهر و العصر بعرفة صلَّى ركعتين كصلاته في سائر الأيام،
ولم ينقل أحد أنه جهر بالقراءة يوم الجمعة في السفر لا بعرفة ولا بغيرها،
ولا أنه خطب بغير عرفة يوم الجمعة في السفر، فعلم أن الصواب ما عليه سلف
الأمة وجماهيرها من الأئمة الأربعة وغيرهم من أنَّ المسافر لا يصلي جمعة"
انتهى كلامه.

فإن صلى المسافر الجمعة مع الإمام فإنه لا يجمع معها العصر؛ لأن العصر إنما
تُجمع مع الظهر لا الجمعة, والجمعة صلاة مستقلة لها أحكام خاصة، فهي صلاة
جهرية بينما صلاة الظهر سرية, وهي ركعتان فيما صلاة الظهر أربعاً, وقبلها
خطبتان والظهر لا خطبة قبلها, ووقتها يبدأ قبل الزوال بخلاف الظهر فلا يدخل
وقتها إلا بعد الزوال، وغير ذلك من الفروق (انظر الشرح الممتع 4/582)، أما
إن صلى مع الإمام ونواها ظهراً مقصورة جاز له جمع العصر معها.



سادساً: التنفل على الراحلة واستقبال القبلة:

وقد اتّفق الفقهاء على جواز التّنفّل على الرّاحلة في السّفر لجهة سفره،
ولو لغير القبلة، ولو بلا عذرٍ، فيجوز للمسافر أن يصلي النافلة على المركوب
من راحلة، وطائرة، وسيارة، وسفينة وغيرها من وسائل النقل، أما الفريضة
فلابد من النزول لها إلا عند العجز لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ برأسه إيماء صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته" وفي لفظ: "غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة" رواه البخاري برقم (999) ومسلم برقم (700)؛ ولحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به"، وفي لفظ: "ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في المكتوبة"، وفي لفظ: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت به"رواه البخاري برقم (1093) ومسلم برقم (701)؛ ولحديث جابر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة" رواه البخاري برقم (400)، وفي لفظ: "كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة".

ويستحب استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام لحديث أنس رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبَّر، ثم صلى حيث وجهه ركابه" 15 ، فإذا لم يفعل ذلك فالصلاة صحيحة عملاً بالأحاديث الصحيحة، وذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم (5/216): "أن التنفل على الراحلة في السفر الذي تُقصر فيه الصلاة جائز بإجماع المسلمين..." انتهى.



سابعاً: ترك السنن الرواتب عدا سنة الفجر والوتر:

وهذه المسألة طبعاً مما اختلف العلماء فيه؛ فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه
يستحب أداء النوافل في السفر؛ لأنها مكملاتٌ للفرائض، ولمداومته صلى الله
عليه وسلم على فعلها في جميع أحواله وأسفاره، وصلاته لها أحياناً راكباً،
ومن ذلك صلاته الضحى يوم الفتح، وصلاته سنة الفجر ليلة التعريس، ولعموم
الأحاديث الواردة في الحث على فعل الرواتب عموماً، والأمر بعد ذلك متروكٌ
للمكلف وهمته وورعه.

قال الحنابلة: يكره ترك السنن الرواتب إلا في السفر فيخير بين فعلها وتركها
إلا الفجر والوتر فيفعلان في السفر كالحضر لتأكدهما. (الموسوعة الفقهية
25/283-284).

ولكن القول بأن للمسافر ترك السنن الرواتب في السفر هو ما جاءت به النصوص
الصحيحة؛ فعن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال: صحبت ابن عمر في طريق مكة،
قال: فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه، حتى جاء رحله، وجلس
وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلَّى فرأى ناساً قياماً، فقال: ما
يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون أي يصلون نافلة، قال: لو كنت مسبحاً لأتممت صلاتي،
يا ابن أخي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على
ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله،
وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على
ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (سورة الأحزاب:21) والحديث رواه مسلم برقم (1112).

فهذه بعض الرخص التي رخصت للمسافر، وهناك رخص أخرى للمسافر لا يتسع المجال لذكرها كلها.

وللأخذ بهذه الرخص ضوابط من أهمها:

1. أن يكون السفر مسافة قصر: وهي أربعة برد،
وتعادل تسعة وثمانين كيلومتراً على رأي كثير من العلماء لما رواه عطاء بن
أبي رباح أنَّ عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم كانا
يصليان ركعتين ركعتين، ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك 16، وقد رجح كثير
من العلماء المحققين أنّ الضابط في السفر الذي يترخص فيه هو العرف؛ فكل ما
عدّه الناس سفراً فهو سفر سواء طالت المسافة أم قصرت، طال الوقت أم قصر،
والعبرة في ذلك العرف العام، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ولم يحد النبي صلى الله عليه وسلم قط السفر بمسافة لا بريد، ولا غير بريد، ولا حدها بزمان" 17 .

2. ألا يكون السفر سفر معصية عند جمهور
العلماء؛ فهذه الرخص مشروعة لمن كان سفره سفر طاعة أو سفراً مباحاً، أما
العاصي بسفره كقاطع الطريق، وما أشبه ذلك؛ فلا يترخص بها؛ لأن الرخص لا
تُناط بالمعاصي، ومن ثم لا يستبيح العاصي بسفره شيئاً من رخص السفر، وفي
الإذن للعاصي بالترخص إعانة له على معصيته، والعاصي لا يعان على معصية بل
يجب أن ينهى عن ذلك.

3. مفارقة محل الإقامة: لما جاء في حديث أَنَسِ رضي الله عنه قال: "صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين"
رواه البخاري برقم (1599). ويستثنى من ذلك من خشي ألا يدرك الصلاة الثانية
( كالعصر أو العشاء ) أو كان هناك حرج من أداء الصلاة الثانية في وقتها
بسبب السفر أو موعد الطائرة ونحو ذلك ، ، والجمع أوسع من القصر، فلا قصر
إلا لمسافر، والجمع يجوز للمسافر والمقيم حيث يوجد الحرج من أداء الصلاة
الثانية سواء في وقتها أو في جماعة، وعليه فيجوز للمسافر أن يقدِّم العصر
فيصليها مع الظهر في مدينته إن غلب على ظنه أنه لن يقدر على أدائها في
وقتها بسبب سفره، وإذا كان المطار خارج قريته أو مدينته فإنه يقصر الصلاة
كذلك، وإن كان من سكان المطار فيتم من غير قصر.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: مسألة: إذا كان في القصيم وخرج الإنسان إلى المطار هل يقصر في المطار؟

الجواب : نعم يقصر؛ لأنه فارق عامر قريته، فجميع القرى التي حول المطار
منفصلة عنه، أما من كان من سكان المطار فإنه لا يقصر في المطار؛ لأنه لم
يفارق عامر قريته" 18 .

وعليه فلا حرج على المسلم إذا سافر أن يأخذ بما رخَّص الله له ؛ فإن الله
سبحانه يحب ذلك كما جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: ((إن الله تبارك وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)) 19 .

حفظنا الله وإياكم في سفرنا وإقامتنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الامبراطورة
الامبراطورة
عضو Golden
عضو Golden

عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57272
الجوائز : المركز الثالث
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى