مأساة لا مكان لها على صفحة العالم المكفهرة

- تتساقط ذرات الثلج أمامي بوداعة على الأرض التي أثقلت كاهلها الرياح و الفيضانات الشديدة التي تعرضت لها بلدي في الأيام القليلة التي خلت . كنت أراقب هذا المشهد الرائع من خلال نافذتي التي شابها أجزاء من الضباب ، و أشعر بروعة هذا الجو ، متناسيةَ البرد الذي يحمله ، لإنني أنعُمُ بدفىءٍ لا بأس به مع أكداس الأغطية التي دُفنت تحتها ، و المدفأة التي تحاول قدر الإمكان إكساب الغرفة بعض الحرارة . كان يرقد حاسوبي في جحري ، و أصابعي تتلمس أزراره تريد أن تنقل مشاعر و أحاسيس حالي ، لكنها لأول مرة أشعر بأنها عاجزة ... نعم ، عاجزة عن وصف مشاعر لا يمكن لأيّ لغةٍ أو أحرفٍ أن توصفها ، مشاعر تتقلب في أجواف الملايين من البشر حول العالم الآن ، و لكنهم لا يستطيعون أن يخطّوها بأقلامهم السوداء على صفحة العالم المكفهرة بالسواد .

إنها مشاعر تراود كلّ شخصٍ ذو إنسانية كلّما تأمل تلك الخيام التي ترقد في العراء ، تاركةً للهواء و البرد الإذن بالدخول إليها ، دون رحمةٍ أو هوادة ، تاركةً الإذن للسماء المكفهرة الحانقة على هذا العالم ، بإفراغ حقدها و غضبها بكمياتٍ هائلة من الأمطار كادت تقتلع أوتاد خيامهم التي غُرست في تلك الأرض الموحلة ، و تركت متاعهم القليل هائماً على وجهه وسط بحيراتٍ قذرة كوّنها الفيضان .

كيف لكلّ تلك المشاعر أن تكتب على صفحة العالم لتشكو إليها همها ، و هذه الصفحة قد أترعت بالظلم و المعاناة التي تجاهلها الكثيرون ، بالرغم من أن الممحاة بيد الكثيرين منهم ، و لكنهم فضّلوا منظر السواد القاتم هذا !

يا له من عار ، عالمٌ قد تجاوز عدده 7 مليارات ، و مليار منهم جوعى ، و عشرات الآلاف منهم مشردين بلا وطن ، يذوقون ذلّ الحياة بسبب قلوب لا تعرف الرحمة إليها طريق ...!

و لكي أكون أكثر صراحة ووضوحاً ، فإني أعترف بأنّ هناك أكثر من ملياري شخص يقفون موقفي ، يبكون بألم و شجن على هذه الحال ، أولئك الضعفاء الذين لا حال لهم إلا الدعاء فليدعوا الله بأن يفرج كرب أمته ، و يرفع عنها بلائها و يحميها من كل معتدٍ ظالم ، و يثبّت عباده على هذا الدين العظيم .