عزازيل... رواية تثير ضجة في مصر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
عزازيل... رواية تثير ضجة في مصر
أَصْدَرَت
دار الشروق خلال الطبعة الثانية من رواية (عزازيل) للدكتور
يوسف زيدان، أستاذ الفلسفة وتاريخ العلوم، مدير مركز المخطوطات بمكتبة
الإسكندرية.
تقع الرواية في 380 صفحة، وهى مزودة بملحق للصور المتعلقة بها، والمرتبطة بأحداثها.
عنوان
الرواية (عزازيل)، هو الاسم العبري القديم للشيطان، إبليس، الذي يُعَدُّ
شخصيةً رئيسةً في الرواية، غير أنه يتخذ صورةً أخرى، غير الصورة النمطية
التي يعرفها الناس في الديانات المعروفة.
وعلى الصفحة الأولى من
الرواية، التي يبلغ عدد فصولها 31 فصلًا، نقرأ الحديث الشريف الصحيح: "لكل
امرئ شيطانه، حتى أنا، غير أن الله أعانني عليه فأسلم".
تبدأ الرواية
بمولد الراهب هيبا في جنوب مصر سنة 391 ميلادية، وهى السنة التي أُعلنت
فيها المسيحية ديانةً رسميةً للامبراطورية الرومانية، وتنتهي الأحداث سنة
431، وهو تاريخ انعقاد المجمع الكنسي العالمي بمدينة إفسوس، وهو الاجتماع
الذي شهد انقسام الكنائس، ولعبت فيه كنيسة الإسكندرية (المرقسية) دورًا
كبيرًا، كأحد أهم الكنائس في العالم، وربما أهمها على الإطلاق.
وعزازيل
في الرواية هو الظاهر والمختفي، الصريح والمراوغ، وهو الداعي للكتابة
والتدوين، اكتشفه الراهب هيبا في ذاته، بعد مخايلةٍ طويلةٍ ظلت الرواية
بزمانها الدائري تشير إليه، حتى تجلى بداخله، في واحدٍ من أعمق فصول
الرواية وأكثرها روعة.
وفي فصول الرواية قصتان للعشق تذوبان رقةً،
وتشتعلان بالرغبة، وبين الصفحات تصادفنا قصائد الراهب هيبا وترنيماته التي
تشهد بشاعريته الرهيفة.
وباستثناء بطل الرواية (الراهب هيبا)، فإن كل
الشخصيات التي تدور بينها الأحداث الهائلة في الرواية، هي شخصيات حقيقية:
الأسقف تيودور، الأسقف نسطور، هيباتيا الرياضية النابغة الجميلة، التي لقيت
مصرعها بالإسكندرية على يد عوام المسيحيين سنة 415 ميلادية).. وكذلك
شخصيات: البابا كيرلس عمود الدين، الأسقف الشاعر ربولا الرهاوي، يوحنا
الأنطاكي، وغيرهم.
وقد دخلوا في النسيج الروائي الذي استلهم لغة رهيفة
لا يكاد القارئ معها يشعر بأنه أمام عمل روائي، وإنما يبلغ الإيهام في
الرواية، إلى الدرجة التي نصدق معها ما جاء في (مقدمة المترجم)؛ حيث نقرأ
في الصفحة الأولى من الرواية: يضمُّ هذا الكتابُ الذي أَوْصيتُ أن يُنشر
بعد وفاتي، ترجمةً أمينةً قَدْرَ المستطاع لمجموعة اللفائف (الرقوق) التي
اكتُشفتْ قبل عشر سنوات بالخرائب الأثرية الحافلة، الواقعة إلى جهة الشمال
الغربي من مدينة حلب السورية، وهي الخرائب الممتدة لثلاثة كيلومترات، على
مقربةٍ من حوافِّ الطريق القديم الواصل بين مدينتي حلب وأنطاكية العتيقتين،
اللتين بدأتا تاريخهما قبل التاريخ المعروف. وهو الطريق المرصوف، الذي
يُعتقد أنه المرحلة الأخيرة من طريق الحرير الشهير، الذي كان في الأزمنة
السحيقة يبدأ من أقاصي آسيا، وينتهي مُنهَكًا عند ساحل البحر المتوسط.
وقد
وصلتنا هذه الرقوق بما عليها من كتابات سُريانية قديمة (آرامية) في حالةٍ
جيدةٍ، نادرًا ما نجد مثيلًا لها، مع أنها كُتبت في النصف الأول من القرن
الخامس الميلادي، وتحديدًا: قبل خمسٍ وخمسين وخمسمائة وألف، من سنين هذا
الزمان.
وكان المأسوف عليه الأبُ الجليل وليم كازاري الذي أشرف بنفسه
على التنقيبات الأثرية هناك، وهناك لقي مصيره المفجع المفاجئ (منتصف شهر
مايو سنة 1997 الميلادية) يرجِّح أن السِّرَّ في سلامة هذه اللفائف، هو
جَوْدَةُ الجلود (الرقوق) التي كُتبت عليها الكلماتُ، بحبرٍ فاحمٍ من أجود
الأحبار التي استُعملت في ذاك الزمان البعيد. علاوةً على حِفْظها في ذلك
الصندوق الخشبي، محكم الإغلاق، الذي أودع فيه الراهبُ المصريُّ الأصل هيبا
ما دوَّنه من سيرةٍ عجيبة، وتأريخٍ غير مقصود لوقائع حياته القَلِقة،
وتقلُّبات زمانه المضطرب.
وكان الأبُ كازاري يظن أن الصندوق الخشبي
الْمُحَلَّى بالزخارف النحاسية الدقيقة، لم يُفتح قطُّ طيلة القرون
الماضية. وهو ما يدلُّ على أنه، عفا الله عنه، لم يتفحَّص محتويات الصندوق
بشكل جيد. أو لعله خشي أن يفرد اللفائف قبل معالجتها كيميائيًا، فتتقصَّف
بين يديه. ومن ثَمَّ، فهو لم يلحظ الحواشي والتعليقات المكتوبة على أطراف
الرقوق، باللغة العربية بقلمٍ نسخىٍّ دقيق، في حدود القرن الخامس الهجري
تقديرًا. كتبها فيما يبدو لي، راهبٌ عربي من أتباع الكنيسة الكلدانية
(الأشورية) التي اتخذت النسطورية مذهبًا لها، ولا يزال أتباعها يُعرفون إلى
اليوم بالنساطرة! ولم يشأ هذا الراهب المجهول أن يصرِّح باسمه.
وقد
أوردتُ في هوامش ترجمتي، بعضًا من حواشيه وتعليقاته الخطيرة، ولم أورد
بعضها الآخر لخطورته البالغة.. وكان آخر ما كتبه هذا الراهب المجهول، على
ظهر الرَّقِّ الأخير: سوف أُعيد دَفْنَ هذا الكنـز؛ فإنّ أوان ظهوره لم يأت
بَعْدُ!
.. والرواية في جملتها تقع في ثلاثين رَقًَّا، مكتوبة على
الوجهين بقلمٍ سريانىٍّ سميك، بحسب التقليد القديم للكتابة السريانية، الذي
يسميه المتخصصون الخط "الأسطرنجيلـي"؛ لأن الأناجيل القديمة كانت تُكتب
به. وقد اجتهد الكاتب في التعرُّف إلى أية معلومات عن المؤلِّف الأصلي،
الراهب هيبا المصري، إضافةً لما رَوَاهُ هو عن نفسه في روايته، فلم يجد له
أىَّ خبرٍ في المصادر التاريخية القديمة، ومِنْ ثَمَّ، فقد خَلَت المراجع
الحديثة من أيِّ ذكرٍ له، فكأنه لم يُوجَدْ أصلًا، أو هو موجودٌ فقط في هذه
(السيرة) التي بين أيدينا.
وقد تأكَّد الكاتب بعد بحوثٍ مطوَّلة من
صحةِ كُلِّ الشخصيات الكنسية، ودِقَّةِ كل الوقائع التاريخية التي أوردها
في مخطوطته البديعة هذه، التي كتبها بخطِّه الأنيق المنمَّق من دون إسرافٍ
في زخرفة الكلمات، وهو ما تُغرى به الكتابةُ السريانية القديمة
(الأسطرنجيلية) الزخرفية بطبعها.
رواية «عزازيل» ليست إلا سِجِلًّا
حافلًا لما فعلته المسيحية المتعصبة بعلمِ وفلسفة، بل بثقافة العالم الذي
كان قبلها. فالبرزخ الذي انتقل العالم عبره، وعَنْوَةً، من منجزه الحضاري
إلى المسيحية، كان حافلًا بالمآسي والفواجع التي طالت معظم الذين عاشوا
فيه، بمن فيهم هيبا نفسه، الذي شهد بأم عينيه مَقْتَلَ أبيه صياد السمك
الوثني على يد غلاةِ المسيحيين في بلدته الصعيدية الأولى.
فالقتل
البَدَنِيّ، والحرق والتنكيل الجسدي، وحرق الكتب، وتحريم الأناجيل التي لا
تعترف بها الكنيسة، كإنجيل مريم، وإنجيل المصريين، وإنجيل سيناء، وتحريم
آريوس وكتبه، ومنها كتاب ثاليا الذي أُحْرِقَ.. كُلُّ ذلك كان من أفعال
الكنيسة بعد تَسَيُّدِها وتَسَلُّطِها.
ومن خلال جولان كاتب الرقوق
وبطلها هيبا، في الكثير من مراكز العالم القديم، كأنطاكية، وأورشليم،
والإسكندرية، تُفْتَحُ ملفات عدة، وعلى مستويات متباينة، لأدوارٍ مسكوتٍ
عنها للكنيسة، لعبت لَعِبَها في تعطيل مسيرة العلم الإنساني والفلسفة
القديمة.
ويرى الناقد المصري سامي خشبة - الذي تُوُفِّي يوم الأربعاء 25
يونيو 2008 م- أنّ رواية" عزازيل"، للكاتب المصري يوسف زيدان، رغم كونها
عملًا مُبْدِعًا، فهي تتضمن دراسة في نشأة وتطور الصراع المذهبي بين
الطوائف المسيحية في الشرق؛ حيث تدور أحداثها في مصر خلال أربعين عامًا،
بدايةً من عام 391 ميلادية .
بينما اعتبر الأديب والناقد يوسف الشاروني-
وهو مسيحي – أنّ الرواية تتضمن مناطِقَ حوارِيَّةً مكتوبةً بحساسيةٍ
مرهفةٍ، حَوْلَ سَعْيِ بطلها هيبا، وهو ذو نزوع إنساني إلى معرفة الحقيقة،
رغم وقوعه في الخطيئة أو الغواية مرتين؛ حيث كان عقله ساحةً لصراع معرفي،
بين تصورات مصرية قديمة، وإيمانه الجديد بالمسيحية .
رواية عزازيل لم تَمُرَّ مرور الكرام؛ فقد قُوبِلَتْ بعاصفةٍ من التصريحات
الغاضبة من بعض رجال الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية؛ حيث اتهم القمص عبد
المسيح بسيط- أستاذ اللاهوت الدفاعي بالكلية الإكليركية- المؤلفَ بمحاولة
الإيحاء بأن القصة التي ألفها ـ عزازيل ـ قصة حقيقية، وُجِدَتْ مكتوبةً في
لفائِفَ جِلْدِيَّةٍ أَثَرِيَّةٍ، مكتوبة باللغة السريانية، أو الآرمية،
وهي لغة المسيح.
وقال بسيط: الكاتب بني روايته علي أساس أحداث واقعية،
وتواريخ معروفة، وقد وضع لها ثلاثة أهداف، هي: الانتصار لمن سمتهم الكنيسة
بالهراطقة، وتوجيه هجوم شديد للكنيسة، ورمزها القديس مرقس الرسول، إضافةً
إلى محاولته الإيحاء بأن الله لم يخلق الإنسان، بل إنّ الإنسان هو الذي خلق
الله! وأن فكرة الإله هي من خيال الإنسان!!
من جانبه، أعلن رمسيس
النجار، المحامي، أحد مستشاري البابا شنودة القانونيين، أنه يعكف حاليًا
علي دراسة هذه الرواية، للوقوف علي نقاط الإساءة للعقيدة الأرثوذكسية
الموجودة ضمن أحداثها. وقال بيتر النجار، المحامي: بعد الانتهاء من دراسة
الرواية، وتحديد الألفاظ الواردة بها، التي تُعْتَبَرُ ازدراءً للمسيحية،
سنتقدم ببلاغ للنائب العام لمنعها من التداول!
في المقابل، رفض الدكتور
يوسف زيدان، مدير مركز ومتحف المخطوطات بجامعة الإسكندرية، ومؤلف الرواية،
تصعيدَ الكنيسة للموضوع، مُشَدِّدًا على أن الرواية عمل أدبي، ولا يوجد بها
أي مساس بالأديان أو الرموز. وقال: لا أعرف سببًا واضحًا لغضب رجال
الكنيسة من الرواية.
وبدأ بعض المحامين الأقباط في التفكير في تحريك
دعاوى ضد الرواية؛ لمنع ترويجها ومصادرتها، ومن بينهم المحامي نجيب جبرائيل
-رئيس مركز حقوق الكلمة- الذي اعتبر الرواية مسيئة، تطعن في العقيدة
المسيحية؛ حيث تقول ببشرية المسيح وليس بألوهيته، معتمدةً في ذلك على آراء
نسطور المطرود، والمحروم من الكنيسة، الذي فصل بين الطبيعتين البشرية
واللاهوتية للمسيح.
ويشير جبرائيل إلى أن زيدان عَبَّرَ في تلك الرواية
عن آرائه بهجومه الشديد واللاذع على الكنيسة القبطية، واعتبر جبرائيل
الروايةَ حافلةً بالكثير من الانتهاكات للعقيدة المسيحية، ونالت من الثوابت
العقيدية، وأضاف أنه سوف يقوم بصفته -المستشار القانوني للبابا- برفع دعوى
عاجلة لمنع تداول الرواية.
وكان يوسف زيدان قد أصدر قبل ذلك روايته (ظل
الأفعى)، التي اقتحم فيها عالم الأنوثة المقدسة، مثلما اقتحم في روايته
الثانية قدس الأقداس المسيحي، وغاص في جوهر الديانة المسيحية، والخلافات
العميقة بين الكنائس، في عمل روائي.
والمتتبع لأعمال يوسف زيدان خلال ما
يقرب من ثلاثين عامًا، نَشَر فيها أكثر من خمسين كتابًا (من بينها كتاب
الشامل، الذي يقع في ثلاثين جزءًا) وأكثر من ثمانين بحثًا أكاديميًّا؛
يستطيع أن يلمح النـزوع الروائي، الذي ظل يظهر في كتاباته، قبل صدور
روايتيه الأخيرتين بسنوات طوال.
دار الشروق خلال الطبعة الثانية من رواية (عزازيل) للدكتور
يوسف زيدان، أستاذ الفلسفة وتاريخ العلوم، مدير مركز المخطوطات بمكتبة
الإسكندرية.
تقع الرواية في 380 صفحة، وهى مزودة بملحق للصور المتعلقة بها، والمرتبطة بأحداثها.
عنوان
الرواية (عزازيل)، هو الاسم العبري القديم للشيطان، إبليس، الذي يُعَدُّ
شخصيةً رئيسةً في الرواية، غير أنه يتخذ صورةً أخرى، غير الصورة النمطية
التي يعرفها الناس في الديانات المعروفة.
وعلى الصفحة الأولى من
الرواية، التي يبلغ عدد فصولها 31 فصلًا، نقرأ الحديث الشريف الصحيح: "لكل
امرئ شيطانه، حتى أنا، غير أن الله أعانني عليه فأسلم".
تبدأ الرواية
بمولد الراهب هيبا في جنوب مصر سنة 391 ميلادية، وهى السنة التي أُعلنت
فيها المسيحية ديانةً رسميةً للامبراطورية الرومانية، وتنتهي الأحداث سنة
431، وهو تاريخ انعقاد المجمع الكنسي العالمي بمدينة إفسوس، وهو الاجتماع
الذي شهد انقسام الكنائس، ولعبت فيه كنيسة الإسكندرية (المرقسية) دورًا
كبيرًا، كأحد أهم الكنائس في العالم، وربما أهمها على الإطلاق.
وعزازيل
في الرواية هو الظاهر والمختفي، الصريح والمراوغ، وهو الداعي للكتابة
والتدوين، اكتشفه الراهب هيبا في ذاته، بعد مخايلةٍ طويلةٍ ظلت الرواية
بزمانها الدائري تشير إليه، حتى تجلى بداخله، في واحدٍ من أعمق فصول
الرواية وأكثرها روعة.
وفي فصول الرواية قصتان للعشق تذوبان رقةً،
وتشتعلان بالرغبة، وبين الصفحات تصادفنا قصائد الراهب هيبا وترنيماته التي
تشهد بشاعريته الرهيفة.
وباستثناء بطل الرواية (الراهب هيبا)، فإن كل
الشخصيات التي تدور بينها الأحداث الهائلة في الرواية، هي شخصيات حقيقية:
الأسقف تيودور، الأسقف نسطور، هيباتيا الرياضية النابغة الجميلة، التي لقيت
مصرعها بالإسكندرية على يد عوام المسيحيين سنة 415 ميلادية).. وكذلك
شخصيات: البابا كيرلس عمود الدين، الأسقف الشاعر ربولا الرهاوي، يوحنا
الأنطاكي، وغيرهم.
وقد دخلوا في النسيج الروائي الذي استلهم لغة رهيفة
لا يكاد القارئ معها يشعر بأنه أمام عمل روائي، وإنما يبلغ الإيهام في
الرواية، إلى الدرجة التي نصدق معها ما جاء في (مقدمة المترجم)؛ حيث نقرأ
في الصفحة الأولى من الرواية: يضمُّ هذا الكتابُ الذي أَوْصيتُ أن يُنشر
بعد وفاتي، ترجمةً أمينةً قَدْرَ المستطاع لمجموعة اللفائف (الرقوق) التي
اكتُشفتْ قبل عشر سنوات بالخرائب الأثرية الحافلة، الواقعة إلى جهة الشمال
الغربي من مدينة حلب السورية، وهي الخرائب الممتدة لثلاثة كيلومترات، على
مقربةٍ من حوافِّ الطريق القديم الواصل بين مدينتي حلب وأنطاكية العتيقتين،
اللتين بدأتا تاريخهما قبل التاريخ المعروف. وهو الطريق المرصوف، الذي
يُعتقد أنه المرحلة الأخيرة من طريق الحرير الشهير، الذي كان في الأزمنة
السحيقة يبدأ من أقاصي آسيا، وينتهي مُنهَكًا عند ساحل البحر المتوسط.
وقد
وصلتنا هذه الرقوق بما عليها من كتابات سُريانية قديمة (آرامية) في حالةٍ
جيدةٍ، نادرًا ما نجد مثيلًا لها، مع أنها كُتبت في النصف الأول من القرن
الخامس الميلادي، وتحديدًا: قبل خمسٍ وخمسين وخمسمائة وألف، من سنين هذا
الزمان.
وكان المأسوف عليه الأبُ الجليل وليم كازاري الذي أشرف بنفسه
على التنقيبات الأثرية هناك، وهناك لقي مصيره المفجع المفاجئ (منتصف شهر
مايو سنة 1997 الميلادية) يرجِّح أن السِّرَّ في سلامة هذه اللفائف، هو
جَوْدَةُ الجلود (الرقوق) التي كُتبت عليها الكلماتُ، بحبرٍ فاحمٍ من أجود
الأحبار التي استُعملت في ذاك الزمان البعيد. علاوةً على حِفْظها في ذلك
الصندوق الخشبي، محكم الإغلاق، الذي أودع فيه الراهبُ المصريُّ الأصل هيبا
ما دوَّنه من سيرةٍ عجيبة، وتأريخٍ غير مقصود لوقائع حياته القَلِقة،
وتقلُّبات زمانه المضطرب.
وكان الأبُ كازاري يظن أن الصندوق الخشبي
الْمُحَلَّى بالزخارف النحاسية الدقيقة، لم يُفتح قطُّ طيلة القرون
الماضية. وهو ما يدلُّ على أنه، عفا الله عنه، لم يتفحَّص محتويات الصندوق
بشكل جيد. أو لعله خشي أن يفرد اللفائف قبل معالجتها كيميائيًا، فتتقصَّف
بين يديه. ومن ثَمَّ، فهو لم يلحظ الحواشي والتعليقات المكتوبة على أطراف
الرقوق، باللغة العربية بقلمٍ نسخىٍّ دقيق، في حدود القرن الخامس الهجري
تقديرًا. كتبها فيما يبدو لي، راهبٌ عربي من أتباع الكنيسة الكلدانية
(الأشورية) التي اتخذت النسطورية مذهبًا لها، ولا يزال أتباعها يُعرفون إلى
اليوم بالنساطرة! ولم يشأ هذا الراهب المجهول أن يصرِّح باسمه.
وقد
أوردتُ في هوامش ترجمتي، بعضًا من حواشيه وتعليقاته الخطيرة، ولم أورد
بعضها الآخر لخطورته البالغة.. وكان آخر ما كتبه هذا الراهب المجهول، على
ظهر الرَّقِّ الأخير: سوف أُعيد دَفْنَ هذا الكنـز؛ فإنّ أوان ظهوره لم يأت
بَعْدُ!
.. والرواية في جملتها تقع في ثلاثين رَقًَّا، مكتوبة على
الوجهين بقلمٍ سريانىٍّ سميك، بحسب التقليد القديم للكتابة السريانية، الذي
يسميه المتخصصون الخط "الأسطرنجيلـي"؛ لأن الأناجيل القديمة كانت تُكتب
به. وقد اجتهد الكاتب في التعرُّف إلى أية معلومات عن المؤلِّف الأصلي،
الراهب هيبا المصري، إضافةً لما رَوَاهُ هو عن نفسه في روايته، فلم يجد له
أىَّ خبرٍ في المصادر التاريخية القديمة، ومِنْ ثَمَّ، فقد خَلَت المراجع
الحديثة من أيِّ ذكرٍ له، فكأنه لم يُوجَدْ أصلًا، أو هو موجودٌ فقط في هذه
(السيرة) التي بين أيدينا.
وقد تأكَّد الكاتب بعد بحوثٍ مطوَّلة من
صحةِ كُلِّ الشخصيات الكنسية، ودِقَّةِ كل الوقائع التاريخية التي أوردها
في مخطوطته البديعة هذه، التي كتبها بخطِّه الأنيق المنمَّق من دون إسرافٍ
في زخرفة الكلمات، وهو ما تُغرى به الكتابةُ السريانية القديمة
(الأسطرنجيلية) الزخرفية بطبعها.
رواية «عزازيل» ليست إلا سِجِلًّا
حافلًا لما فعلته المسيحية المتعصبة بعلمِ وفلسفة، بل بثقافة العالم الذي
كان قبلها. فالبرزخ الذي انتقل العالم عبره، وعَنْوَةً، من منجزه الحضاري
إلى المسيحية، كان حافلًا بالمآسي والفواجع التي طالت معظم الذين عاشوا
فيه، بمن فيهم هيبا نفسه، الذي شهد بأم عينيه مَقْتَلَ أبيه صياد السمك
الوثني على يد غلاةِ المسيحيين في بلدته الصعيدية الأولى.
فالقتل
البَدَنِيّ، والحرق والتنكيل الجسدي، وحرق الكتب، وتحريم الأناجيل التي لا
تعترف بها الكنيسة، كإنجيل مريم، وإنجيل المصريين، وإنجيل سيناء، وتحريم
آريوس وكتبه، ومنها كتاب ثاليا الذي أُحْرِقَ.. كُلُّ ذلك كان من أفعال
الكنيسة بعد تَسَيُّدِها وتَسَلُّطِها.
ومن خلال جولان كاتب الرقوق
وبطلها هيبا، في الكثير من مراكز العالم القديم، كأنطاكية، وأورشليم،
والإسكندرية، تُفْتَحُ ملفات عدة، وعلى مستويات متباينة، لأدوارٍ مسكوتٍ
عنها للكنيسة، لعبت لَعِبَها في تعطيل مسيرة العلم الإنساني والفلسفة
القديمة.
ويرى الناقد المصري سامي خشبة - الذي تُوُفِّي يوم الأربعاء 25
يونيو 2008 م- أنّ رواية" عزازيل"، للكاتب المصري يوسف زيدان، رغم كونها
عملًا مُبْدِعًا، فهي تتضمن دراسة في نشأة وتطور الصراع المذهبي بين
الطوائف المسيحية في الشرق؛ حيث تدور أحداثها في مصر خلال أربعين عامًا،
بدايةً من عام 391 ميلادية .
بينما اعتبر الأديب والناقد يوسف الشاروني-
وهو مسيحي – أنّ الرواية تتضمن مناطِقَ حوارِيَّةً مكتوبةً بحساسيةٍ
مرهفةٍ، حَوْلَ سَعْيِ بطلها هيبا، وهو ذو نزوع إنساني إلى معرفة الحقيقة،
رغم وقوعه في الخطيئة أو الغواية مرتين؛ حيث كان عقله ساحةً لصراع معرفي،
بين تصورات مصرية قديمة، وإيمانه الجديد بالمسيحية .
عزازيل والكنيسة الأرثوذوكسية المصرية!
ولكنّرواية عزازيل لم تَمُرَّ مرور الكرام؛ فقد قُوبِلَتْ بعاصفةٍ من التصريحات
الغاضبة من بعض رجال الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية؛ حيث اتهم القمص عبد
المسيح بسيط- أستاذ اللاهوت الدفاعي بالكلية الإكليركية- المؤلفَ بمحاولة
الإيحاء بأن القصة التي ألفها ـ عزازيل ـ قصة حقيقية، وُجِدَتْ مكتوبةً في
لفائِفَ جِلْدِيَّةٍ أَثَرِيَّةٍ، مكتوبة باللغة السريانية، أو الآرمية،
وهي لغة المسيح.
وقال بسيط: الكاتب بني روايته علي أساس أحداث واقعية،
وتواريخ معروفة، وقد وضع لها ثلاثة أهداف، هي: الانتصار لمن سمتهم الكنيسة
بالهراطقة، وتوجيه هجوم شديد للكنيسة، ورمزها القديس مرقس الرسول، إضافةً
إلى محاولته الإيحاء بأن الله لم يخلق الإنسان، بل إنّ الإنسان هو الذي خلق
الله! وأن فكرة الإله هي من خيال الإنسان!!
من جانبه، أعلن رمسيس
النجار، المحامي، أحد مستشاري البابا شنودة القانونيين، أنه يعكف حاليًا
علي دراسة هذه الرواية، للوقوف علي نقاط الإساءة للعقيدة الأرثوذكسية
الموجودة ضمن أحداثها. وقال بيتر النجار، المحامي: بعد الانتهاء من دراسة
الرواية، وتحديد الألفاظ الواردة بها، التي تُعْتَبَرُ ازدراءً للمسيحية،
سنتقدم ببلاغ للنائب العام لمنعها من التداول!
في المقابل، رفض الدكتور
يوسف زيدان، مدير مركز ومتحف المخطوطات بجامعة الإسكندرية، ومؤلف الرواية،
تصعيدَ الكنيسة للموضوع، مُشَدِّدًا على أن الرواية عمل أدبي، ولا يوجد بها
أي مساس بالأديان أو الرموز. وقال: لا أعرف سببًا واضحًا لغضب رجال
الكنيسة من الرواية.
وبدأ بعض المحامين الأقباط في التفكير في تحريك
دعاوى ضد الرواية؛ لمنع ترويجها ومصادرتها، ومن بينهم المحامي نجيب جبرائيل
-رئيس مركز حقوق الكلمة- الذي اعتبر الرواية مسيئة، تطعن في العقيدة
المسيحية؛ حيث تقول ببشرية المسيح وليس بألوهيته، معتمدةً في ذلك على آراء
نسطور المطرود، والمحروم من الكنيسة، الذي فصل بين الطبيعتين البشرية
واللاهوتية للمسيح.
ويشير جبرائيل إلى أن زيدان عَبَّرَ في تلك الرواية
عن آرائه بهجومه الشديد واللاذع على الكنيسة القبطية، واعتبر جبرائيل
الروايةَ حافلةً بالكثير من الانتهاكات للعقيدة المسيحية، ونالت من الثوابت
العقيدية، وأضاف أنه سوف يقوم بصفته -المستشار القانوني للبابا- برفع دعوى
عاجلة لمنع تداول الرواية.
وكان يوسف زيدان قد أصدر قبل ذلك روايته (ظل
الأفعى)، التي اقتحم فيها عالم الأنوثة المقدسة، مثلما اقتحم في روايته
الثانية قدس الأقداس المسيحي، وغاص في جوهر الديانة المسيحية، والخلافات
العميقة بين الكنائس، في عمل روائي.
والمتتبع لأعمال يوسف زيدان خلال ما
يقرب من ثلاثين عامًا، نَشَر فيها أكثر من خمسين كتابًا (من بينها كتاب
الشامل، الذي يقع في ثلاثين جزءًا) وأكثر من ثمانين بحثًا أكاديميًّا؛
يستطيع أن يلمح النـزوع الروائي، الذي ظل يظهر في كتاباته، قبل صدور
روايتيه الأخيرتين بسنوات طوال.
علاء الدين- عضو Golden
- عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51267
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013
رد: عزازيل... رواية تثير ضجة في مصر
الف شكر لك ويعطيك العافيه
الامبراطورة- عضو Golden
- عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57282
الجوائز :
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013
رد: عزازيل... رواية تثير ضجة في مصر
الف شكر لك ويعطيك العافيه
الامبراطورة- عضو Golden
- عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57282
الجوائز :
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013
مواضيع مماثلة
» شطيرة من مطعم فى أستراليا تثير جدلا على الإنترنت
» سى ان ان : سفيرة أمريكا تثير غضب المعارضة والعسكر بمصر
» "قرية ظالمة" .. رواية تعري بني صهيون
» رواية التجسس
» النبطي (رواية)
» سى ان ان : سفيرة أمريكا تثير غضب المعارضة والعسكر بمصر
» "قرية ظالمة" .. رواية تعري بني صهيون
» رواية التجسس
» النبطي (رواية)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى