غاب تحت الثرى أحباء قلبي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
غاب تحت الثرى أحباء قلبي
إن
موت الرجال خطْبٌ جلل، تتشنف له المسامع، بل تذرف له المدامع؛ لأن بموتهم
تُطوى صفحات لامعة، وسجلات ناصعة، من خصال الخير المتكاثرة، فرحيلهم ثُلمة
لا تُسَدّ، ومصيبة لا تُحَدّ، وفجيعةٌ لا تُنسى، فبموتهم يتخلخل بُنْيان
الأمة، فما أجدرنا أن نتذكر هؤلاء الرجال، ونتأسى بصالح أعمالهم، كي نحاول
تمام المسيرة، وأن نذكر الأموات بأفعالهم الحسنة، وغاية ذلك أن تكون عبرة
للأحياء، فالإنسان ليس له في نهاية المطاف إلا هذا الذكر الحسن، وكل يوم
يرحل عنا واحد من هؤلاء الرجال نذرف الدمع عليه .. ما أعظم خسارة الأمم
بخسارة الرجال، إننا قد نجد عوضًا لأي أمر مادي ذهب وتلاشى، ولكن من العسير
أن نجد العوض عن عقول الرجال، فالرجال بُنيان قوم تهدَّم.
ولقد
صدر حديثًا كتاب جديد للأديب السعودي حمد بن عبد الله القاضي، يحمل عنوان
"غاب تحت الثرى أحباء قلبي"، وقد جاء هذا الكتاب من وحي الحديث الشريف:
"اذكروا محاسن موتاكم" وقول الله تعالى: "ولا تبخسوا الناس أشياءهم". وإذا
كان الثناء على الأحياء أمرًا محمودًا, فإن ذكر محاسن الراحلين والحديث
عنهم هو عنوان الوفاء وقمة الإيفاء، فضلًا عن أنه يكون سببًا للاقتداء بهم,
أما الأهم من ذلك فهو: الدعاء لهم عند ذكر محاسنهم وأعمالهم المباركة,
وسجاياهم النديّة, وصنائعهم الجميلة التي قدموها في حياتهم. إن الرثاء
والثناء والذكر الحسن لهؤلاء الراحلين يجيء من منطلق أن الناس شهود الله في
أرضه, ولعل ذلك هو بُشراهم المعجّلة في الحياة الدنيا بحول الله, وهذا
يُسعد أحبابهم, ويخفف من غمامات الحزن على رحيلهم.
وقد
أهدى القاضي كتابه إلى الذين فَقدوا واللواتي فَقدن غاليًا مستشرفًا أن
يجدوا بين أوراقه سطر عزاء ولمسة وفاء، وأن يستمطروا من بين حروفه غيمة
طمأنينة وهتّان دعاء.
في هذا الكتاب يسطّر القاضي في هؤلاء الأحباء معاني الوفاء والحب والتقدير، رحمهم الله تعالى، وجعل الجنة مثواهم ومستقرهم.
وكم وُفِّق الكاتب باختيار عنوان الكتاب: "غاب تحت الثرى أحباء قلبي"، الذي يظهر من شطر بيت مؤثر لأحد الشعراء المكلومين:
غاب تحت الثرى أحباء قلبي فالثرى وحده الحبيب الخليل
قال
المؤلف في مقدمة الكتاب: إن ما حفزه إلى إصداره الاحتذاء والاقتداء
بأستاذه ووالده معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، الذي أصدر قبل سنوات
كتابه: "دمعة حرّى"، وكان لكتابه صدًى مبارك، وكذلك معالي الدكتور علي
النملة، الذي أصدر كتابًا رثى فيه عددًا من الأخيار، والأستاذ خالد المالك
الذي أصدر كتاب "عيناي تدمعان"، والأديب عبد المحسن المطلق الذي أصدر كتاب
"وفاء لمن وفى"..
راحلون ودمعات
وقد
جاء الكتاب في بابين؛ الباب الأول تحت عنوان: "راحلون ودمعات"، وقد رثى
فيه المؤلف سبعين راحلًا وراحلة من علماء وأدباء، وأول موضوع كان رثاؤه
لأمه تحت عنوان "برًّا بوالدتي"، وافتتاحه الكتاب لأول جزء فيه بهذا
العنوان لدليلٌ على حبه لأمه وتأثره برحيلها، ثم الموضوع الثاني "دمعة عليك
يا أبي".. كم هو بارٌّ بوالديه، وإن لم يذكر في الكتاب كله إلا رثاء
والديه لكفاه، فكم من عاق لوالديه في هذا الزمان! وكم من أناس تركوا آباءهم
وأمهاتهم يعانون الوَحدة ويتمنون زيارة أولادهم لهم وأن يقدموا لهم
الرعاية عندما يتقدمون في السن، ونجد جحودًا ونكرانًا للجميل من بعض
الأولاد للوالدين بأن يضعوهم في دار المسنين ولا يسألون عنهم.
ومعظم
هذه المراثي قرأتها في مقالات نشرها الكاتب على صفحات المجلة العربية وبعض
الصحف السعودية، ومن أروع ما قرأت مقاله في رثاء الشيخ الغزالي وخالد محمد
خالد الذي كتبه تحت عنوان "الراحلان: الشيخ محمد الغزالي والأستاذ خالد
محمد خالد"..
ومن
عناوين المراثي: رحم الله حصة بنت صالح العليان .. وداعًا أيتها العازفة
عن الدنيا، والشيخ عبد الله الخليفي عين بكت من خشية الله، والشيخ عبد
العزيز بن باز.. ويبكيك محراب يئن ومنبر، والشيخ بن عثيمين .. لقد أحب لقاء
الله فأحب الله لقاءه، ورحل حبيب القرآن الشيخ عبد الرحمن الفريان،
والراحل عبد العزيز المسند: رجل الدعوة والتعليم والسماحة، ورحم الله رجل
الخير الدكتور مانع الجهني، والمؤذن ابن ماجد: الصوت الذي لم يغب، ودمعة
على الفقيد الشيخ عبد العزيز المساعد، والشيخ ابن جبير.. لقد كان بنيان قوم
تهدَّمَا، ورحل عاشق الأرض الشيخ حمد الجاسر، والشيخ عثمان الصالح.. رحل
عف اللسان ناشر للمحبة؛ رحل الشيخ إبراهيم آل براهيم طيب الذكر وجميل الفعل
و...
وهكذا يستمر الأديب حمد القاضي في الكتابة عن أحبابه الذي جعلنا نحن القراء نحبهم لما سطَّر عنهم من صفحات ناصعة ..
هذه
المراثي فيها حسٌّ نابضٌ وقلبٌ خاشعٌ مؤمنٌ، إيمانًا حقيقيًا بأن الموت
غاية كل إنسان، وأنَّ لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار. وحين
ندقق النظر في مراثي الكتاب نلمح صدق الشعور؛ ودليل ذلك دخول هذه المراثي
إلى القلب، هذا الصدق تلمحه في كلمات كتابه، وقديمًا قالوا: ما أسرّ أحد
سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه أو فلتات لسانه.
وصدق شاعر الرثاء والحنين أبو ذؤيب الهذلي حين قال بيته الذي سار مسار المثل السائر:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كلَّ تميمة لا تنفع
أما
الباب الثاني فجاء تحت عنوان: تأملات في الرحيل تطرق فيه إلى عوالم
الفراق، ولوعات الحزن، وفضاءات الشجن، والعزاء عند رحيل الغالين. وتأملات
في الحياة والموت، ودمعات في فضاءات الشجن على فراق الغالين، ووقفات عند
شيمة الصبر التي تسكب الطمأنينة عند وداع الأعزاء المغادرين.
يقول
حمد القاضي: لقد كانت رسالة ترسيخ الوفاء هي الرسالة الغالية التي أردت
إيصالها عبر كتابي "غاب تحت الثرى أحباء قلبي"، وحسب هؤلاء الراحلين الوفاء
لهم والدعاء بالرحمة من أبنائهم وبناتهم, فضلًا عن تذكُّرهم بعمل الخير
ليصل الأجر لهم بحول الله وهم أحوج ما يكونون إليه إذ غادروا هذه الدنيا
ولن يعودوا, وتفديهم القلوب والأرواح لو كان ذلك سيعيدهم. ألم يقل غازي
القصيبي الذي انتقل إلى رحمة ربه مؤخرًا:
لو يرد الفراق لانتصب الحب سياجًا فما استطاع الفراق
ولقد تبرع المؤلف بعائد هذه الطبعة من الكتاب للجمعية الخيرية النسائية بعنيزة، التي ترعى الأرامل والفقيرات واليتيمات.
المؤلف
ومما
يُذكر أن الأديب حمد بن عبد الله القاضي من مواليد محافظة عنيزة بمنطقة
القصيم بالمملكة العربية السعودية، نشأ وتعلم فيها حتى حصوله على الشهادة
التوجيهية، وهو عضو مجلس الشورى، وأمين عام مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد
الجاسر الثقافية الخيرية .
كما
عمل رئيسًا لتحرير المجلة العربية حتى عام 1428ه وصاحب دار القمرين للنشر
والإعلام، وشارك ومثَّل المملكة في العديد من الندوات والمؤتمرات والوفود
الثقافية والإعلامية داخل المملكة وخارجها.
قال
عنه الشيخ حمد الجاسر في اثنينية عبد المقصود خوجة: لقد عرفته منذ عشرين
عامًا، وقد عرفت أبرز صفة فيه، تلك التي أحاذرها وأخشى أن تحُول بيني وبين
التعبير عما أراه مكملًا لما رغبت المشاركة به في هذه المناسبة الكريمة..
إنها الصفة التي ليس من المبالغة وصفها بأن بها يتميز الإنسان على غيره بما
تضفيه عليه من الخصال الحميدة، ويكفيها شرفًا وفضلًا أن سيدنا محمدًا صلى
الله عليه وسلم حثَّ عليها وعدَّها من الإيمان.. لقد عرفته بما وصف به
الشاعر متمم بن نويره أخاه مالكًا الذي خلّد ذكره بمراثيه إذ يقول: فتى كان
أحيا من فتاة حييه.
وقال
عنه الدكتور عبد العزيز الخويطر: حمد القاضي طاقة لا أرى لها حدًّا، وهل
للعشق حد؟! قد يجهل هذا من لم يعشق، ومن لم يعشق فهو حجر من الصخر جلمد.
ويواصل: إنه طاقة تتحرك، شعلة نشاط، تارة ملازم للمجلة، وأخرى لحضور الندوة
الفلانية في البلد الفلاني، وتارة في التليفزيون في حوار مبهج مع الأشخاص
لا تود منه أن يسكت، لسانه عفّ، وقلمه نزيه، وطالما رأيته يزيل شائبة بين
متجادلين، ورأيته ينعم خشونة متقاذفين، باسم لا يريد أن يرى إلا الابتسامة،
لأنها بضاعته الرائجة وسلعته الرابحة.
وقال
عنه الشيخ عثمان الصالح: المجلة العربية التي كان يشغل رئيس تحريرها كان
وراء شهرتها وسمو هدفها، فهو أديب ضليع، رضع الثقافة شابًّا وطالبًا
وعالمًا، وإنه محبوب بين العلماء والأدباء والشعراء وذوي المكانة المرموقة
في سائر المعارف.
ولقد
صدر عنه كتاب تحت عنوان: "فارس الثقافة والأخلاق"، حمد بن عبد الله
القاضي, الذي أصدره ملتقى الوراق في الرياض، وقام بإعداده يوسف العتيق،
بمناسبة تكريم المنتدى للقاضي في ملتقاه الثالث.
ومن
مؤلفاته: الشيخ حسن آل الشيخ، الإنسان الذي لم يرحل، أشرعة للوطن
والثقافة، رؤية حول تصحيح صورة بلادنا وإسلامنا، من حديث الروح، مرافئ على
ضفاف الكلمة، لسنا قديسين لكن لسنا أبالسة.
علاء الدين- عضو Golden
- عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51256
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013
رد: غاب تحت الثرى أحباء قلبي
الف شكر لك ويعطيك العافيه
الامبراطورة- عضو Golden
- عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57271
الجوائز :
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى