شبكة و منتديات تولف أن آر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لهذا كان الانحراف!

اذهب الى الأسفل

 لهذا كان الانحراف!  Empty لهذا كان الانحراف!

مُساهمة من طرف علاء الدين الثلاثاء فبراير 05, 2013 1:05 am

أربعة
هي (الجهل، الخوف، الأنا، الكسل) يتشكّل منها الانحراف المعرفيّ
والسّلوكيّ، وهي في ما بينها منظومة يغذّي بعضها بعضًا؛ إذ التّخلّف منظومة
كما الحضارة كذلك.


الجهل:
لست أقصد به ما تنطلق منه المعرفة حين يدرك الإنسان نقص علمه بالشّيء؛
فيدفعه هذا الإدراك إلى علم الأشياء والتّعرّف عليها؛ فهذا جهل في الشّكل،
علم في المنفعة، وهو ما يُسمّى بـ«علم الجهل»، لكن ما أقصده هو الجهل الذي
يؤسّس للانحراف في المعرفة والسّلوك. الجهل بالذّات كقيمة ووجود وكمنهج
ورؤية، هو جهل يغري بجهل أكبر منه يتركّب منه الظّلم والقهر والاستبداد
والكبر وغمط النّاس؛ فالجاهل هذا يسخّر إمكاناته وقدراته لخدمة جهله، وسيجد
في النّاس من يعمل على شاكلته، كما سيطال النّاس منه ما يقهرهم، ويضيع
حقوقهم، ويسلب ذاتيّتهم. وفي منطقة الجهل هذه تنبت بذرة الانحراف، بذرة
خبيثة لا يمكن رؤيتها حال تشكّلها وحال نشأتها، إلاّ بعين الخبرة والدّراية
والنّقد، والسّكوت عنها أو سقْيها بالمال والسّياسة، والتّقاليد والعادات
سيجعل من الصّعب اقتلاعها.


البُعد الثّاني:
الخوف، وهو نتاج سابقه، خوف مصدره الوهم، خوف من المجهول حين تستعدّ
منهجيّة التّفكير لاستقبال المفاجآت وإدارتها كحال طوارئ الإسعاف والإطفاء.
إنّنا نصنع وبجدارة حال الخوف هذه حين لا ندرس علم المستقبليّات، كما ندرس
أحداث التّأريخ الذي تشكّلت منه - مع الأسف - طرائق تعاطينا مع واقعنا أو
رؤيتنا لمستقبلنا، لقد قتل الخوف فينا روح التّلقائيّة والإبداع، ورسّخ
فينا أنّنا مُستلَبون حضاريًّا وعلميًّا، ولا همّ لنا إلاّ التّفكير بإعادة
ماضينا، والنّتيجة لا هذا ولا ذاك.. ولو أنّنا تربّينا على شيء من
المغامرة والإبداع، وأخذنا من الجنون جماله، وغادرنا بعض قناعاتنا الغالطة،
وتعالجنا من أوهامنا لأبصرنا خريطة طريقنا، ورسمنا جغرافية فكرنا،
ولشاركنا أهل الأرض حضارتهم.


الشّيء
المضحك المبكي، أنّ كلّ من يمارس التّفكير السّلبيّ، ويحارب غيره زاعمًا
المحافظة على وجوده، هو لا يمارس حربه بتقنيات وأدوات لم يشارك في صنعها
ولا في توجيه استخدامها، وشرّ الشّرّين أن تتمّ هذه المحافظة الموهومة
وتشنّ الحروب الاستنزافيّة تحت ستار التّديّن والقناعة والهويّة والوطنيّة.
إنّ قدرًا من الوعي لا بدّ من أن يحصّل، وإلاّ فالأمر خطر والسّكوت
مخاطرة. هذا هو الجهل الذي يجب رفعه، وليس تعليم حروف الهجاء.


أمّا المحور الثّالث فهو «الأنا»:
والحديث عن الأنا والفرديّة، أو الحديث عن العقل الجمعيّ وسيطرته، حديث ذو
شجون؛ فمعاناتنا كبيرة في سلوكيّات ومعارف هنا وهناك. «الأنا» التي هي
بنية في الانحراف، هي «أنا» المتشبّع بما لم يُعطَ "أنا" التي لا تعني إلاّ
«أنا» بمنطق النّرجس، هي «الأنا» التي تعني السّيطرة والقهر لأجل «الأنا».
إنّها الذّميمة والرّذيلة، إنّها غياب الوعي ومسْخ الإدراك، والانفصال عن
الذّات، إنّها الأنانيّة القاتلة دمّرت الأفكار وأشاعت الدّمار، فغاب القصد
الأمميّ والمصلحة للجميع. نجد «الأنا»، وهي تقضي على مشاريع النّهضة
والارتقاء، ونجدها، وهي تتدخّل في القرار، ونجدها، وهي تؤسّس منهج العلم
والتّربية. هذه «الأنا» لم تترك حضارة ولا سمحت لغيرها. المجتمعات
الأنانيّة دونيّة ومتخلّفة وضعيفة، بيد أنّ المجتمعات الأنوية «= أنا و...»
هي مجتمعات حضاريّة بنائيّة تكامليّة. ويبكيك - كما يضحكك - أنّ المجتمعات
«الأنانيّة» عالة على المجتمعات «الأنوية»؛ لأنّ الحقيقة في كلّ شيء تغلب
المظهر في كلّ شيء، ولا مخرج من هذا المأزق إلاّ بتأسيس تربويّ تعليميّ
يحترم الحقيقة، ويسعى إليها ويتشكّل معها، كما يتشكّل لديه القدرة والقوّة
على تبديل القناعات وتغيير السّلوكيّات، وما لم يكن فلن يكون.


أمّا البُعد الرابع:
فهو الكسل. ليس الكسل الجسديّ وإن كان عبئًا ثقيلاً، لكنْ ثمّة كسل ذهنيّ
يقعدنا عن البحث والدّراسة، كسل يغرينا بالوجَبَات الجاهزة. كسل لا نمارس
معه حراكًا إلاّ حركة التّقدّم الهدّام، والاستنقاص للأعمال والأشخاص.


هذه
الرّباعيّة الخطرة - كما أسلفت - بعضُها يدعم بعضًا، فإذا كان الجهل أورث
الخوف، فإنّ تضخّم «الأنا» أورثها شبعًا من رديء الأغذية، أقعدها وأكسلها؛
فالأفكار كما الأجساد تمرض.


شفى الله وكفى.

علاء الدين
عضو Golden
عضو Golden

عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51256
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى