سطور في حياة جمال حمدان
صفحة 1 من اصل 1
سطور في حياة جمال حمدان
لم يكن العلامة جمال حمدان مجرد سطر واحد في الحياة، فقد أثر فيها تأثيرا إيجابيا بما يعود بالخير علي هذه الأمة وبما يؤصل للمهمة التي عاش من أجلها، فحيا بلغز كبير وراء تحليلاته المتميزة في علم الاجتماع التي ذكرنا بها بعبقرية العربي "ابن خلدون"، ومات بلغز آخر، وعندما كتب عددا من الإصدارات التي تتحدث عن اليهود واليهودية مات مخنوقا في بيته دون أن يعرف سبب لهذه الوفاة.
مات جمال حمدان في مثل هذا الشهر منذ 16 عاما مؤثرا في الشخصية الإسلامية، مخلفا وراءه عددا من الإبداعات أهمها اليهود أنثروبولوجيا ،و العالم الإسلامي المعاصر واستراتيجية الاستعمار والتحرير، وبترول العرب، وإفريقيا الجديدة وجغرافية المدن وأهم هذه الكتب: شخصية مصر، بخلاف عشرات الكتب والأبحاث الأخرى، منها ما كان مخطوطا و منها ما ظهر للنور واستفادت منه البشرية.
مقتطفات من حياته
يحكي شقيقه الدكتور عبد الحميد صالح*، كنت أزوره في مكتبه بقسم الجغرافيا فقال لي: إنهم وزعوا عليه وعلى زملائه في الجامعة استبيانة فيها سؤال عن الوظيفة التي يرغب في شغلها، والتي يستطيع من خلالها خدمة وطنه؟.
فكانت إجابته على هذا السؤال هو: وزير الشؤون البلدية والقروية، ولما أعربت له عن دهشتي لاختيار هذه الوزارة، وبأن يكون "وزيرا ً مرة واحدة" قال: يا عزيزي، إن من يتولى هذه الوزارة يملك في يده نهضة مصر أو تخلفها، وعدد لي مزايا وفوائد هذه الوزارة ومهامها، وأن الشؤون البلدية هي البنية الأساسية التي بدونها لا تستقيم حياة الناس في المدن، وأن الشؤون القروية هي العمود الفقري الذي بدونه ينقصم ظهر مصر، وكان، والحق يقال، متحمسا لخدمة مصر في المكان المناسب الذي يستطيع من خلاله أن يحقق لها الرفعة والتقدم.
العجيب في شخصية جمال حمدان أنه لم يقو علي العمل في الجامعة؛ نظرا للروتين الذي قابله من ناحية، ومحاربته من ناحية أخرى، فقد رفض رؤساؤه أن يدرس مادة جغرافية المدن، والتي أبدع في الكتابة عنها، وترك له تدريس مادة الخرائط، التي كان يدرسها المعيدون في بداية تعييناتهم.
قدم جمال حمدان استقالته من الجامعة بعد هذه المهاترات التي قابلته، فضلا عن محاولة تفرغه لما أبدع فيه بالفعل، والتي رفضتها الجامعة ثم قبلتها بعد سنتين من تقديمها.
يقول شقيقه: كان د. جمال يرى أن الأمر لا يحتمل إلا الجد، وأن مصر تمر بأدق مراحل تاريخها، وأنه لابد من التضحية في سبيل تقدمها ونهضتها، وإلا ساد انحلال عام في المعايير والمستويات الحضارية وهو ما يتهددها في الوقت الحاضر، لاسيما بعد أن غرسوا لها في ظهرها دولة إسرائيل".
كان لا يسمح لأحد بأن يقتحم عليه عزلته دون موعد سابق، فإذا أراد أخوه أن يراه يترك له بطاقة بموعد حضوره أو طرق الباب بطريقة معينة "عبارة عن ثلاث طرقات متقطعة" فإذا فتح الباب وكان مشغولا في عمل أو يقوم بتمريناته الرياضية أجلسني في هدوء في غرفة استقباله المتواضعة حتى ينتهي من عمله أو تمريناته.
وكان له طباخ يصنع له طعامه ويتولى تنظيف المنزل وشراء الحوائج من السوق، وكان هذا الطباخ، بالإضافة إلى الصحف والمذياع، هو همزة الوصل بين جمال والعالم الخارجي".
كانت نكسة يونية 1967م هي التي فجرت شرارة ملحمته الكبرى "شخصية مصر" فقد صدمته الهزيمة وهزت كيانه، وكان قد تنبأ بوقوع هذه الجريمة في مقال له صدر بعنوان "هل تملك إسرائيل سلاحا ذريا؟" وذلك في سنة 1965م ولم يكن ممن يستسلمون للإحباط أو فقدان الثقة، بل عكف رغم جراحه على إنجاز شخصية مصر، وحاول في هذا الكتاب الضخم أن يعرف المواطن العادي والمثقف بجوهر وطنه ويدله على شخصيتها المصرية والعربية، ويحدد له معدنها القومي الأصيل ودورها الإنساني والحضاري".
عدو الصهيونية
"كان أخي عدوا لدودا للصهيونية والاستعمار الأجنبي، كما يقول شقيقه، أيا كان وجه هذا الاستعمار، وكان دائما يحذر من النفوذ الأجنبي أيا كان لونه ودينه، وكان يحذر من الصهيونية والتمزق العربي وضعف العالم الإسلامي وفقدان العدل الاجتماعي والطغيان السياسي، وكان يعتبر ذلك كله ألد أعداء مصر.
وقد تناثرت أفكاره و وجهات نظره حول هذه الأمور في معظم كتاباته.
وكانت قضية فلسطين هي قضيته الأولى وشغله الشاغل، وصرح بأن الكارثة التي تعرضت لها فلسطين على يد الصهيونية هي سابقة ليس لها مثيل قط في تاريخ العالم الحديث ولا العالم الإسلامي ولا العالم الثالث.
وكان يرى أن الخطر الصهيوني لا يستهدف الأرض المقدسة في فلسطين فحسب، وأن تهديدها لا يقتصر على العالم العربي وحده، وإنما يمتد إلى العالم الإسلامي كله، وكان يندد بهذا وبما يحاك لنا في الخفاء والعلن. ويقول: إن الصهيونيات اليوم هي أكبر خطر يواجه العالم العربي وأن تحرير فلسطين هو وحدة العالم الإسلامي السياسية، وأن وحدة العالم الإسلامي إنما هي فلسطين".
في لحظات وداعة
يحكي شقيقه، ظل أخي جمال ممسكا بقلمه حتى آخر لحظة في حياته، ولم يضعه إلا لدقائق معدودات، ذهب فيها إلى مطبخه المتواضع ليعد لنفسه قدحا من الشاي، ولم يكن يعلم أن يد المنون كانت معه على موعد عندما انفجرت أنبوبة البوتاجاز في وجهه وأمسكت النيران بتلابيبه، وحاول وحده إطفاء هذه النيران التي تكاثرت عليه فكانت الصدمة العصبية أشد من أن تحتمل.
واقتربت النهاية وحان الأجل فودع الدنيا ودفن يوم الأحد 25/10/1413هـ = 17 إبريل سنة 1993م بمقبرة العائلة بالبساتين، وهى المقبرة التي بنتها العائلة بعد رجوعها من المملكة العربية السعودية.
-------------------------------------------
المراجعكتاب "جمال حمدان وملامح من عبقرية الزمان"، للدكتور عبد الحميد صالح حمدان.
مات جمال حمدان في مثل هذا الشهر منذ 16 عاما مؤثرا في الشخصية الإسلامية، مخلفا وراءه عددا من الإبداعات أهمها اليهود أنثروبولوجيا ،و العالم الإسلامي المعاصر واستراتيجية الاستعمار والتحرير، وبترول العرب، وإفريقيا الجديدة وجغرافية المدن وأهم هذه الكتب: شخصية مصر، بخلاف عشرات الكتب والأبحاث الأخرى، منها ما كان مخطوطا و منها ما ظهر للنور واستفادت منه البشرية.
مقتطفات من حياته
يحكي شقيقه الدكتور عبد الحميد صالح*، كنت أزوره في مكتبه بقسم الجغرافيا فقال لي: إنهم وزعوا عليه وعلى زملائه في الجامعة استبيانة فيها سؤال عن الوظيفة التي يرغب في شغلها، والتي يستطيع من خلالها خدمة وطنه؟.
فكانت إجابته على هذا السؤال هو: وزير الشؤون البلدية والقروية، ولما أعربت له عن دهشتي لاختيار هذه الوزارة، وبأن يكون "وزيرا ً مرة واحدة" قال: يا عزيزي، إن من يتولى هذه الوزارة يملك في يده نهضة مصر أو تخلفها، وعدد لي مزايا وفوائد هذه الوزارة ومهامها، وأن الشؤون البلدية هي البنية الأساسية التي بدونها لا تستقيم حياة الناس في المدن، وأن الشؤون القروية هي العمود الفقري الذي بدونه ينقصم ظهر مصر، وكان، والحق يقال، متحمسا لخدمة مصر في المكان المناسب الذي يستطيع من خلاله أن يحقق لها الرفعة والتقدم.
العجيب في شخصية جمال حمدان أنه لم يقو علي العمل في الجامعة؛ نظرا للروتين الذي قابله من ناحية، ومحاربته من ناحية أخرى، فقد رفض رؤساؤه أن يدرس مادة جغرافية المدن، والتي أبدع في الكتابة عنها، وترك له تدريس مادة الخرائط، التي كان يدرسها المعيدون في بداية تعييناتهم.
قدم جمال حمدان استقالته من الجامعة بعد هذه المهاترات التي قابلته، فضلا عن محاولة تفرغه لما أبدع فيه بالفعل، والتي رفضتها الجامعة ثم قبلتها بعد سنتين من تقديمها.
يقول شقيقه: كان د. جمال يرى أن الأمر لا يحتمل إلا الجد، وأن مصر تمر بأدق مراحل تاريخها، وأنه لابد من التضحية في سبيل تقدمها ونهضتها، وإلا ساد انحلال عام في المعايير والمستويات الحضارية وهو ما يتهددها في الوقت الحاضر، لاسيما بعد أن غرسوا لها في ظهرها دولة إسرائيل".
كان لا يسمح لأحد بأن يقتحم عليه عزلته دون موعد سابق، فإذا أراد أخوه أن يراه يترك له بطاقة بموعد حضوره أو طرق الباب بطريقة معينة "عبارة عن ثلاث طرقات متقطعة" فإذا فتح الباب وكان مشغولا في عمل أو يقوم بتمريناته الرياضية أجلسني في هدوء في غرفة استقباله المتواضعة حتى ينتهي من عمله أو تمريناته.
وكان له طباخ يصنع له طعامه ويتولى تنظيف المنزل وشراء الحوائج من السوق، وكان هذا الطباخ، بالإضافة إلى الصحف والمذياع، هو همزة الوصل بين جمال والعالم الخارجي".
كانت نكسة يونية 1967م هي التي فجرت شرارة ملحمته الكبرى "شخصية مصر" فقد صدمته الهزيمة وهزت كيانه، وكان قد تنبأ بوقوع هذه الجريمة في مقال له صدر بعنوان "هل تملك إسرائيل سلاحا ذريا؟" وذلك في سنة 1965م ولم يكن ممن يستسلمون للإحباط أو فقدان الثقة، بل عكف رغم جراحه على إنجاز شخصية مصر، وحاول في هذا الكتاب الضخم أن يعرف المواطن العادي والمثقف بجوهر وطنه ويدله على شخصيتها المصرية والعربية، ويحدد له معدنها القومي الأصيل ودورها الإنساني والحضاري".
عدو الصهيونية
"كان أخي عدوا لدودا للصهيونية والاستعمار الأجنبي، كما يقول شقيقه، أيا كان وجه هذا الاستعمار، وكان دائما يحذر من النفوذ الأجنبي أيا كان لونه ودينه، وكان يحذر من الصهيونية والتمزق العربي وضعف العالم الإسلامي وفقدان العدل الاجتماعي والطغيان السياسي، وكان يعتبر ذلك كله ألد أعداء مصر.
وقد تناثرت أفكاره و وجهات نظره حول هذه الأمور في معظم كتاباته.
وكانت قضية فلسطين هي قضيته الأولى وشغله الشاغل، وصرح بأن الكارثة التي تعرضت لها فلسطين على يد الصهيونية هي سابقة ليس لها مثيل قط في تاريخ العالم الحديث ولا العالم الإسلامي ولا العالم الثالث.
وكان يرى أن الخطر الصهيوني لا يستهدف الأرض المقدسة في فلسطين فحسب، وأن تهديدها لا يقتصر على العالم العربي وحده، وإنما يمتد إلى العالم الإسلامي كله، وكان يندد بهذا وبما يحاك لنا في الخفاء والعلن. ويقول: إن الصهيونيات اليوم هي أكبر خطر يواجه العالم العربي وأن تحرير فلسطين هو وحدة العالم الإسلامي السياسية، وأن وحدة العالم الإسلامي إنما هي فلسطين".
في لحظات وداعة
يحكي شقيقه، ظل أخي جمال ممسكا بقلمه حتى آخر لحظة في حياته، ولم يضعه إلا لدقائق معدودات، ذهب فيها إلى مطبخه المتواضع ليعد لنفسه قدحا من الشاي، ولم يكن يعلم أن يد المنون كانت معه على موعد عندما انفجرت أنبوبة البوتاجاز في وجهه وأمسكت النيران بتلابيبه، وحاول وحده إطفاء هذه النيران التي تكاثرت عليه فكانت الصدمة العصبية أشد من أن تحتمل.
واقتربت النهاية وحان الأجل فودع الدنيا ودفن يوم الأحد 25/10/1413هـ = 17 إبريل سنة 1993م بمقبرة العائلة بالبساتين، وهى المقبرة التي بنتها العائلة بعد رجوعها من المملكة العربية السعودية.
-------------------------------------------
المراجعكتاب "جمال حمدان وملامح من عبقرية الزمان"، للدكتور عبد الحميد صالح حمدان.
علاء الدين- عضو Golden
- عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51268
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013
مواضيع مماثلة
» السعاده في ستة سطور
» السعادة في سطور
» قصيده ام حمدان في ولدها العاق اللي رمها في دار العجزه ليرضي زوجته
» سطور ليست للقراءة بل للتفكير
» جمال الطبيعة
» السعادة في سطور
» قصيده ام حمدان في ولدها العاق اللي رمها في دار العجزه ليرضي زوجته
» سطور ليست للقراءة بل للتفكير
» جمال الطبيعة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى