الشيخ محمود خليل الحصري.. ياسمين التلاوة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الشيخ محمود خليل الحصري.. ياسمين التلاوة
في أواخر عام 1980 (أكتوبر أو نوقمبر)، كنت أودي مناسك الحج، وبعد صلاة الجمعة في الكعبة المشرفة، رأيت الحرم الشريف الذي كان يشبه خلية النحل، حركة وقيام وركوع وسجود، وطواف وسعي، وتعلو فيه أصوات الذكر والدعاء، ويشتد طنين الزحام بسبب الخارجين والداخلين من أبواب البيت العتيق العديدة وطبقاته الثلاث.
رأيت الحرم الشريف يهدأ فجأة ويخيم عليه الصمت المهيب، فقد انطلق صمت عميق، هادئ ومهيب أيضا، فيه من الجمال والجلال ما جعل الجموع الغفيرة تصغي إليه وتتذوق حلاوة الصوت الرباني الذي يتلو القرآن الكريم.
سكنت الأصوات حتى انتهى القارئ من تلاوته القصيرة المؤثرة والباهرة والنادرة في هذا الجمع الذي يضم شتى أجناس الأرض من حيث تشرق الشمس في اليابان إلى حيث تغرب على شواطئ أمريكا الغربية.
كان الصوت للقارئ الشيخ "محمود خليل الحصري" ـ رحمه الله ـ وقد تعلقت بصوته وتلاوته منذ الطفولة ونحن نحفظ القرآن الكريم لدى سيدنا الشيخ "عبده سليم". كان سيدنا يحب الشيخ الشيخ "مصطفى إسماعيل"، وكنا نحن الأطفال نتوزع بين حب الشيخ عبدالباسط عبد الصمد، والشيخ محمود على البنا، والشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ كامل يوسف البهتيمي والشيخ محمود طه الفشني، فضلا عن الشيخ محمد رفعت.
تعلقت بالشيخ الحصري لسبب طريف؛ فقد كان يحضر إلى قريتنا كل صيف شيخ معمم يلبس جلبابا بلديا، ويقضي فترة من الوقت تطول عدة أسابيع، في زيارة لبعض معارفه في القرية، حيث يرحبون به ويستضيفونه في حفاوة بالغة، وكان الناس يتداولون طرفا من حياته ويشيرون إلى أن بلده أو قريته تُسمى "سند بسط" وكان الشيخ "عمر" ـ وهذا اسمه ـ يقوم بالآذان في مسجد القرية، حيث يصعد إلى المئذنة، ويؤدي بصوته القوي جمل الآذان التي تصل إلى جميع الآذان في البيوت والحقول، وكان يقرأ السورة يوم الجمعة أو قبل صلاة العصر، وهو في الآذان والتلاوة يقلد الشيخ الحصري بصورة تكاد تكون متطابقة، ويندمج في القراءة حتى يكاد من يسمعونه يرون فيه الشيخ الحصري بشحمه ولحمه.
لفت الشيخ "عمر" سمعي وبصري إلى رائده، فرحت أتتبعه وأستمع إليه في الراديو عند الجيران (كان الراديو في الخمسينيات فاكهة نادرة في حوزة بعض القادرين في القرية)، وعندما استمعت لأول مرة إلى ترتيله، من خلال المصحف المرتل، في مدينة المحلة الكبرى أوائل الستينيات، دخل صوته إلى وجداني ومشاعري.
كان صوته يأتي عبر مكبر الصوت من مسجد "عبدالحي خليل" قبيل الغروب. كان المصحف المرتل نمطا فريدا في التلاوة، عرفه الناس من خلال الأسطوانات لأول مرة، وقد وزعته وزارة الأوقاف على بعض المساجد الكبرى في أوائل الستينيات، ولقى استحسانا شعبيا عارما، وتأكد هذا الاستحسان بعد إنشاء إذاعة القرآن الكريم التي كان الناس يطلقون عليها إذاعة المصحف المرتل.
لقد ولد الشيخ الحصري في بيئة اشتهرت بالعناية بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة، وخرج منها مشاهير القراء والحفاظ، والدعاة، إنها بيئة مدينة طنطا وما جاورها من المدن الصغيرة والقرى، ولعل هذا يرجع إلى جهود المعهد الديني الوحيد في الوجه البحري أو الدلتا طوال النصف الأول من القرن العشرين، فشجع وجوده على حفظ القرآن وتجويده في الكتاتيب تمهيدا لدخول المعهد، ومواصلة التعليم الأزهري.
الشيخ الحصري من مواليد قرية تسمى "شبرا النملة"، وتقع على الطريق الزراعي الذي يربط الإسكندرية بالقاهرة، وتسبق مدينة طنطا على هذا الطريق بنحو خمسة كيلو مترات، وقبيل وفاته أنشأ بها مسجدا ومعهدا أزهريا يحملان اسمه، وتبرع لهما بجزء من ممتلكاته، وقد أُتيح له أن يدرس التجويد، ويجود القرآن الكريم على يد شيخه في الكتاب. وبدأ يقرأ القرآن مجودا، ويحظى بالرضا والاستحسان من الجمهور المحيط به.
التحق الشيخ الحصري بالمعهد الديني في طنطا، فدرس المرحلة الابتدائية، ثم المرحلة الثانوية، وتوقف عن الدراسة ليستوعب القراءات العشر حفظا وأداءً، وقد أهله ذلك للالتحاق بالإذاعة المصرية، حيث كانت أول قراءة له على الهواء مباشرة في 16 من نوفمبر 1944. وعمل الشيخ الحصري مؤذنا وقارئا للسورة وشيخا للقراء ومشرفا على المقارئ في الغربية.
في القاهرة انتقل الشيخ الحصري نقلة أخرى، حيث صار شيخا لعموم المقارئ المصرية عام 1960، وانضم إلى وزارة الأوقاف مستشارا فنيا لشؤون القرآن الكريم عام 1962، ثم رئيسا للجنة تصحيح المصاحف ومراجعتها في الأزهر الشريف عام 1964، وفي عام 1967 عين خبيرا لعلوم القرآن الكريم والسنة النبوية بمجمع البحوث الإسلامية.
ويبقى العمل الضخم العظيم الذي يُنسب للشيخ الحصري ويرتبط به، وهو تسجيل القرآن الكريم مرتلا ـ لقد بدأت عملية التسجيل عام 1960 ـ على إسطوانات، وكان التسجيل برواية حفص المتداولة والشائعة بين المسلمين الآن، وكان الترتيل بطريقة الحصري ريادة حقيقية في تقديم القرآن الكريم لعامة الناس سهلا ميسرا، وهو ما انعكس على حب الجمهور لتلاوة الحصري، وشجع قراء آخرين على تسجيل القرآن الكريم مرتلا.
ولكن يبقى تسجيل الحصري الأكثر قبولا وانتشارا، خاصة بعد شيوع التسجيل على شرائط وأقراص مدمجة (C.D)، ويلاحظ أن التسجيل المرتل، امتد ليشيع في البلاد العربية، فظهرت تسجيلات عديدة في عدد من الأقطار العربية اكتسبت بعض الشهرة والذيوع.
لم يتوقف تسجيل الحصري للقرآن الكريم مرتلا على رواية حفص، ولكنه امتد ليشمل تسجيلات أخرى براوية ورش عن نافع، ورواية قالون والدوري، كما سجل المصحف المعلم الذي يساعد الأطفال ومن يريدون حفظ القرآن الكريم على التلاوة الصحيحة.
امتدت شهرة الشيخ الحصري إلى آفاق العالم الإسلامي، فقرأ في معظم العواصم الإسلامية، وأحيا شهر رمضان المبارك في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وكان يستقبل في بعضها استقبالا يليق بالقرآن، وبحافظه المتميز.
رأيت الحرم الشريف يهدأ فجأة ويخيم عليه الصمت المهيب، فقد انطلق صمت عميق، هادئ ومهيب أيضا، فيه من الجمال والجلال ما جعل الجموع الغفيرة تصغي إليه وتتذوق حلاوة الصوت الرباني الذي يتلو القرآن الكريم.
سكنت الأصوات حتى انتهى القارئ من تلاوته القصيرة المؤثرة والباهرة والنادرة في هذا الجمع الذي يضم شتى أجناس الأرض من حيث تشرق الشمس في اليابان إلى حيث تغرب على شواطئ أمريكا الغربية.
كان الصوت للقارئ الشيخ "محمود خليل الحصري" ـ رحمه الله ـ وقد تعلقت بصوته وتلاوته منذ الطفولة ونحن نحفظ القرآن الكريم لدى سيدنا الشيخ "عبده سليم". كان سيدنا يحب الشيخ الشيخ "مصطفى إسماعيل"، وكنا نحن الأطفال نتوزع بين حب الشيخ عبدالباسط عبد الصمد، والشيخ محمود على البنا، والشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ كامل يوسف البهتيمي والشيخ محمود طه الفشني، فضلا عن الشيخ محمد رفعت.
تعلقت بالشيخ الحصري لسبب طريف؛ فقد كان يحضر إلى قريتنا كل صيف شيخ معمم يلبس جلبابا بلديا، ويقضي فترة من الوقت تطول عدة أسابيع، في زيارة لبعض معارفه في القرية، حيث يرحبون به ويستضيفونه في حفاوة بالغة، وكان الناس يتداولون طرفا من حياته ويشيرون إلى أن بلده أو قريته تُسمى "سند بسط" وكان الشيخ "عمر" ـ وهذا اسمه ـ يقوم بالآذان في مسجد القرية، حيث يصعد إلى المئذنة، ويؤدي بصوته القوي جمل الآذان التي تصل إلى جميع الآذان في البيوت والحقول، وكان يقرأ السورة يوم الجمعة أو قبل صلاة العصر، وهو في الآذان والتلاوة يقلد الشيخ الحصري بصورة تكاد تكون متطابقة، ويندمج في القراءة حتى يكاد من يسمعونه يرون فيه الشيخ الحصري بشحمه ولحمه.
لفت الشيخ "عمر" سمعي وبصري إلى رائده، فرحت أتتبعه وأستمع إليه في الراديو عند الجيران (كان الراديو في الخمسينيات فاكهة نادرة في حوزة بعض القادرين في القرية)، وعندما استمعت لأول مرة إلى ترتيله، من خلال المصحف المرتل، في مدينة المحلة الكبرى أوائل الستينيات، دخل صوته إلى وجداني ومشاعري.
كان صوته يأتي عبر مكبر الصوت من مسجد "عبدالحي خليل" قبيل الغروب. كان المصحف المرتل نمطا فريدا في التلاوة، عرفه الناس من خلال الأسطوانات لأول مرة، وقد وزعته وزارة الأوقاف على بعض المساجد الكبرى في أوائل الستينيات، ولقى استحسانا شعبيا عارما، وتأكد هذا الاستحسان بعد إنشاء إذاعة القرآن الكريم التي كان الناس يطلقون عليها إذاعة المصحف المرتل.
لقد ولد الشيخ الحصري في بيئة اشتهرت بالعناية بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة، وخرج منها مشاهير القراء والحفاظ، والدعاة، إنها بيئة مدينة طنطا وما جاورها من المدن الصغيرة والقرى، ولعل هذا يرجع إلى جهود المعهد الديني الوحيد في الوجه البحري أو الدلتا طوال النصف الأول من القرن العشرين، فشجع وجوده على حفظ القرآن وتجويده في الكتاتيب تمهيدا لدخول المعهد، ومواصلة التعليم الأزهري.
الشيخ الحصري من مواليد قرية تسمى "شبرا النملة"، وتقع على الطريق الزراعي الذي يربط الإسكندرية بالقاهرة، وتسبق مدينة طنطا على هذا الطريق بنحو خمسة كيلو مترات، وقبيل وفاته أنشأ بها مسجدا ومعهدا أزهريا يحملان اسمه، وتبرع لهما بجزء من ممتلكاته، وقد أُتيح له أن يدرس التجويد، ويجود القرآن الكريم على يد شيخه في الكتاب. وبدأ يقرأ القرآن مجودا، ويحظى بالرضا والاستحسان من الجمهور المحيط به.
التحق الشيخ الحصري بالمعهد الديني في طنطا، فدرس المرحلة الابتدائية، ثم المرحلة الثانوية، وتوقف عن الدراسة ليستوعب القراءات العشر حفظا وأداءً، وقد أهله ذلك للالتحاق بالإذاعة المصرية، حيث كانت أول قراءة له على الهواء مباشرة في 16 من نوفمبر 1944. وعمل الشيخ الحصري مؤذنا وقارئا للسورة وشيخا للقراء ومشرفا على المقارئ في الغربية.
في القاهرة انتقل الشيخ الحصري نقلة أخرى، حيث صار شيخا لعموم المقارئ المصرية عام 1960، وانضم إلى وزارة الأوقاف مستشارا فنيا لشؤون القرآن الكريم عام 1962، ثم رئيسا للجنة تصحيح المصاحف ومراجعتها في الأزهر الشريف عام 1964، وفي عام 1967 عين خبيرا لعلوم القرآن الكريم والسنة النبوية بمجمع البحوث الإسلامية.
ويبقى العمل الضخم العظيم الذي يُنسب للشيخ الحصري ويرتبط به، وهو تسجيل القرآن الكريم مرتلا ـ لقد بدأت عملية التسجيل عام 1960 ـ على إسطوانات، وكان التسجيل برواية حفص المتداولة والشائعة بين المسلمين الآن، وكان الترتيل بطريقة الحصري ريادة حقيقية في تقديم القرآن الكريم لعامة الناس سهلا ميسرا، وهو ما انعكس على حب الجمهور لتلاوة الحصري، وشجع قراء آخرين على تسجيل القرآن الكريم مرتلا.
ولكن يبقى تسجيل الحصري الأكثر قبولا وانتشارا، خاصة بعد شيوع التسجيل على شرائط وأقراص مدمجة (C.D)، ويلاحظ أن التسجيل المرتل، امتد ليشيع في البلاد العربية، فظهرت تسجيلات عديدة في عدد من الأقطار العربية اكتسبت بعض الشهرة والذيوع.
لم يتوقف تسجيل الحصري للقرآن الكريم مرتلا على رواية حفص، ولكنه امتد ليشمل تسجيلات أخرى براوية ورش عن نافع، ورواية قالون والدوري، كما سجل المصحف المعلم الذي يساعد الأطفال ومن يريدون حفظ القرآن الكريم على التلاوة الصحيحة.
امتدت شهرة الشيخ الحصري إلى آفاق العالم الإسلامي، فقرأ في معظم العواصم الإسلامية، وأحيا شهر رمضان المبارك في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وكان يستقبل في بعضها استقبالا يليق بالقرآن، وبحافظه المتميز.
علاء الدين- عضو Golden
- عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51257
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013
رد: الشيخ محمود خليل الحصري.. ياسمين التلاوة
الف شكر لك علي جهودك
الامبراطورة- عضو Golden
- عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57272
الجوائز :
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013
مواضيع مماثلة
» مصحف فضيلة الشيخ / محمود خليل الحصري
» القارئ محمود خليل الحصري Size : 2.29 GB
» الشيخ عبد الحليم محمود ومسيرته الدعوية
» القارئ محمود خليل الحصري - المصحف المجود Size : 1.04 GB
» ۞ المصحف المُجود بقصر المنفصل - للقارئ / محمود خليل الحصري ( روابط مباشرة ) ۞
» القارئ محمود خليل الحصري Size : 2.29 GB
» الشيخ عبد الحليم محمود ومسيرته الدعوية
» القارئ محمود خليل الحصري - المصحف المجود Size : 1.04 GB
» ۞ المصحف المُجود بقصر المنفصل - للقارئ / محمود خليل الحصري ( روابط مباشرة ) ۞
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى