علي عشري زايد.. إخلاص عالم وتميز ناقد
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
علي عشري زايد.. إخلاص عالم وتميز ناقد
لم تكن علاقتي به مجرد علاقة عابرة بين تلميذ وأستاذ، فقد كانت من ذلك بكثير، حين رأيت فيه نموذج "الأستاذ" الذي تتوفر فيه عناصر الأستاذية الحقيقية من ورع وإخلاص وتواضع، وبحث ودأب واطلاع، ثم رفق وهدوء وسكينة، نادرا ما تعثر في زمن الزحام والأنانية والبحث عن المنفعة بأية وسيلة!
كان "علي عشري زايد" مثالا للأستاذ الجامعي الذي شغلته "القيمة" قبل "الثمن"، واستغرقته المعرفة قبل الوجاهة، والتدريس قبل المناصب، فكان محبوبا من طلابه وزملائه، وكان سمته الهادئ الوديع تحكمه ابتسامة مشرقة، حتى في أشد حالات معاناته، كأنه يكافئ بابتسامة كل من يقابله أو يلتقي به من الطلاب أو الأساتذة، ولا أنسى مقولة قالها لي أحد الأساتذة من زملائه، ونحن نتحدث عنه ذات يوم قبل سنوات "إنه الصورة المضيئة مني" أو إنه "صورتي المضيئة النقية"، لا أذكر العبارة بدقة، ولكن هذا مضمونها.
أشرف على رسالتي للماجستير في قسم "البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن" بكلية دار العلوم، وكنت أيامها أعمل خارج البلاد، فلقيت منه تعاونا غير محدود، لا يصنعه أخ مع أخيه، وتوجيها كريما يليق بأستاذ في مثل علمه ومكانته، وتمنيت أن تكون الدكتوراه تحت إشرافه، ولكنه بابتسامته المشرقة، أخبرني أنه آن الأوان ليشارك جهد المقل في خدمة الدين واللغة على أرض الباكستان، وكانت هناك جامعة وليدة أنشأتها بعض الدول العربية باسم الجامعة الإسلامية، وتولت مصر تزويدها بطاقم من أفضل الأساتذة، وظل هناك لمدة عشر سنوات، لم أره فيها، وإن كانت المراسلات بيننا لم تنقطع، حتى عاد إلى دار العلوم، وفي السنوات الأخيرة من حياته كان يشكو لي متاعب في عينه ومتاعب أخرى، تفاقمت حتى كان نعيه بالصحف يوم الثلاثاء 29/4/2003م.
مثل كل عالم متواضع كان يرفض الدعاية والبهرجة، ومن ثم كانت مشاركاته في النشاط الأدبي والثقافي، هادئة عميقة، ومن المفارقات أن كثيرا من النقاد والكتاب استفادوا بأفكاره وكتاباته، ولم يشيروا إليه فهو ـ على حد علمي ـ أول من قدم شعراء معاصرين من الشباب أبرزهم الشاعر الراحل "أمل دنقل" حيث قدمه تقديما نقديا أصيلا.
كان كتابه "استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر" أول دراسة فيما أتصور تفتح الباب واسعا عريضا أمام عشرات الدراسات الأكاديمية والنقدية حول الشخصيات التراثية في شعرنا المعاصر، وتوجه الشعراء المعاصرين إلى كنز ثمين يستثمرونه في قصائدهم ومسرحهم الشعري، فهذا التراث لا يخذل من يعود إليه مهموما أو مسرورا، مهزوما أو منصورا، حرا أو مقهورا، ففيه ما يهدهد الهموم وما يجسد السرور، وما يواسي في الهزيمة وما يتغنى بالنصر وما يمجد الحرية وما يتمرد على القهر!
لقد أتاحت الدراسة في الخارج لعلي عشري زايد، أن يرى القضايا الأدبية والنقدية خاصة؛ والحضارية عامة، رؤية موضوعية، تتجاوز الانبهار والفتنة، إلى التعرف على العناصر الإيجابية والأخرى السلبية، سواء في تراثنا أو في ثقافة الآخر.
ولعل هذا ما جعله يسبق إلى إدراك التمثل الخاطئ لبعض شعرائنا لما صنعه بعض شعراء الغرب (إليوت مثلا)، وتهافت البعض الآخر على التراث الإغريقي.. وفي الوقت ذاته كان سباقا إلى التحذير من المزالق التي تهدد استخدام التراث استخداما صحيحا..
لقد أخلص الراحل الكريم لدراسة النقد الأدبي، فقدم العديد من الدراسات المهمة، أبرزها دراسته حول موسيقى الشعر الحر، وفضلا عن ذلك فقد كان لا توانى عن المشاركة بالكتابة في الدوريات النقدية وحضور الندوات والمؤتمرات التي تسهم في إثراء النشاط الأدبي والحركة الثقافية.
أذكر في منتصف السبعينيات، عندما صدرت مجلة "الشعر" وكنت أشارك في تحرير بعض أبوابها، أن طلبت منه أن يكتب تقويما لقصائد "العدد الماضي" وخاصة قصائد الشباب، فلم يضن بالكتابة، واحتشد لقصائد الشباب ـ الذين صاروا اليوم أو صار بعضهم من الأعلام ـ وكتب عنهم كتابة كتابة جادة وعميقة، صوبت مسيرة كثير منهم، وربطت بينه وبينهم بصداقة طيبة
كان "علي عشري زايد" مثالا للأستاذ الجامعي الذي شغلته "القيمة" قبل "الثمن"، واستغرقته المعرفة قبل الوجاهة، والتدريس قبل المناصب، فكان محبوبا من طلابه وزملائه، وكان سمته الهادئ الوديع تحكمه ابتسامة مشرقة، حتى في أشد حالات معاناته، كأنه يكافئ بابتسامة كل من يقابله أو يلتقي به من الطلاب أو الأساتذة، ولا أنسى مقولة قالها لي أحد الأساتذة من زملائه، ونحن نتحدث عنه ذات يوم قبل سنوات "إنه الصورة المضيئة مني" أو إنه "صورتي المضيئة النقية"، لا أذكر العبارة بدقة، ولكن هذا مضمونها.
أشرف على رسالتي للماجستير في قسم "البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن" بكلية دار العلوم، وكنت أيامها أعمل خارج البلاد، فلقيت منه تعاونا غير محدود، لا يصنعه أخ مع أخيه، وتوجيها كريما يليق بأستاذ في مثل علمه ومكانته، وتمنيت أن تكون الدكتوراه تحت إشرافه، ولكنه بابتسامته المشرقة، أخبرني أنه آن الأوان ليشارك جهد المقل في خدمة الدين واللغة على أرض الباكستان، وكانت هناك جامعة وليدة أنشأتها بعض الدول العربية باسم الجامعة الإسلامية، وتولت مصر تزويدها بطاقم من أفضل الأساتذة، وظل هناك لمدة عشر سنوات، لم أره فيها، وإن كانت المراسلات بيننا لم تنقطع، حتى عاد إلى دار العلوم، وفي السنوات الأخيرة من حياته كان يشكو لي متاعب في عينه ومتاعب أخرى، تفاقمت حتى كان نعيه بالصحف يوم الثلاثاء 29/4/2003م.
مثل كل عالم متواضع كان يرفض الدعاية والبهرجة، ومن ثم كانت مشاركاته في النشاط الأدبي والثقافي، هادئة عميقة، ومن المفارقات أن كثيرا من النقاد والكتاب استفادوا بأفكاره وكتاباته، ولم يشيروا إليه فهو ـ على حد علمي ـ أول من قدم شعراء معاصرين من الشباب أبرزهم الشاعر الراحل "أمل دنقل" حيث قدمه تقديما نقديا أصيلا.
كان كتابه "استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر" أول دراسة فيما أتصور تفتح الباب واسعا عريضا أمام عشرات الدراسات الأكاديمية والنقدية حول الشخصيات التراثية في شعرنا المعاصر، وتوجه الشعراء المعاصرين إلى كنز ثمين يستثمرونه في قصائدهم ومسرحهم الشعري، فهذا التراث لا يخذل من يعود إليه مهموما أو مسرورا، مهزوما أو منصورا، حرا أو مقهورا، ففيه ما يهدهد الهموم وما يجسد السرور، وما يواسي في الهزيمة وما يتغنى بالنصر وما يمجد الحرية وما يتمرد على القهر!
لقد أتاحت الدراسة في الخارج لعلي عشري زايد، أن يرى القضايا الأدبية والنقدية خاصة؛ والحضارية عامة، رؤية موضوعية، تتجاوز الانبهار والفتنة، إلى التعرف على العناصر الإيجابية والأخرى السلبية، سواء في تراثنا أو في ثقافة الآخر.
ولعل هذا ما جعله يسبق إلى إدراك التمثل الخاطئ لبعض شعرائنا لما صنعه بعض شعراء الغرب (إليوت مثلا)، وتهافت البعض الآخر على التراث الإغريقي.. وفي الوقت ذاته كان سباقا إلى التحذير من المزالق التي تهدد استخدام التراث استخداما صحيحا..
لقد أخلص الراحل الكريم لدراسة النقد الأدبي، فقدم العديد من الدراسات المهمة، أبرزها دراسته حول موسيقى الشعر الحر، وفضلا عن ذلك فقد كان لا توانى عن المشاركة بالكتابة في الدوريات النقدية وحضور الندوات والمؤتمرات التي تسهم في إثراء النشاط الأدبي والحركة الثقافية.
أذكر في منتصف السبعينيات، عندما صدرت مجلة "الشعر" وكنت أشارك في تحرير بعض أبوابها، أن طلبت منه أن يكتب تقويما لقصائد "العدد الماضي" وخاصة قصائد الشباب، فلم يضن بالكتابة، واحتشد لقصائد الشباب ـ الذين صاروا اليوم أو صار بعضهم من الأعلام ـ وكتب عنهم كتابة كتابة جادة وعميقة، صوبت مسيرة كثير منهم، وربطت بينه وبينهم بصداقة طيبة
علاء الدين- عضو Golden
- عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51264
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013
رد: علي عشري زايد.. إخلاص عالم وتميز ناقد
الف شكر لك علي جهودك
الامبراطورة- عضو Golden
- عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57279
الجوائز :
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013
مواضيع مماثلة
» علي عشري زايد الذي غاب
» مسجد الشيخ زايد
» الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب تختتم اجتماعاتها بالدورة الـ7
» شخصية : الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان : مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة - تولف أن آر ويكي
» [ طوق الحمام ] لـ رجاء عالم
» مسجد الشيخ زايد
» الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب تختتم اجتماعاتها بالدورة الـ7
» شخصية : الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان : مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة - تولف أن آر ويكي
» [ طوق الحمام ] لـ رجاء عالم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى