جريج العابد..!
صفحة 1 من اصل 1
جريج العابد..!
بسم الله الرحمن الرحيم
كان في الأمم السابقة أولياء صالحون ، وعباد زاهدون ، وكان جريج العابد
أحد هؤلاء الصالحين الذين برَّأهم الله عز وجل ، وأظهر على أيديهم
الكرامات ، بعد أن تربص به المفسدون ، وحاولوا إيقاعه في الفاحشة ، وتشويه
سمعته بالباطل ، وقد قص علينا خبره - نبينا صلى الله عليه وسلم – في
الحديث الذي رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ، عيسى ابن مريم ، وصاحب جريج ، وكان جريج رجلا عابدا ، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمُّه وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : يا رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته ، فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : يا رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته ، فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : أي رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته ، فقالت : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات ، فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته
، وكانت امرأة بغي يُتَمثَّلُ بحسنها ، فقالت : إن شئتم لأفْتِنَنَّه
لكم ، قال : فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته ،
فأمكنته من نفسها ، فوقع عليها ، فحملت ، فلما ولدت قالت : هو من جريج ،
فأتوه فاستنزلوه ، وهدموا صومعته ، وجعلوا يضربونه ، فقال : ما شأنكم ،
قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك ، فقال : أين الصبي ، فجاءوا به ،
فقال : دعوني حتى أصلي ، فصلى ، فلما انصرف أتى الصبي فطَعَنَ في بطنه ،
وقال : يا غلام ، من أبوك ؟ قال : فلان الراعي ، قال : فأقبلوا على جريج يقَبِّلونه ويتمسحون به، وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب ، قال : لا ، أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا ) .
كان جريج في أول أمره تاجرا ،
وكان يخسر مرة ويربح أخرى ، فقال : ما في هذه التجارة من خير ، لألتمسن
تجارة هي خير من هذه التجارة ، فانقطع للعبادة والزهد ، واعتزل الناس ،
واتخذ صومعة يترهَّب فيها ، وكانت أمه تأتي لزيارته بين الحين والحين ،
فيطل عليها من شُرْفة في الصومعة فيكلمها ، فجاءته في يوم من الأيام وهو
يصلي ، فنادته ، فتردد بين تلبية نداء أمه وبين إكمال صلاته ، فآثر إكمال
الصلاة على إجابة نداء أمه ، ثم انصرفت وجاءته في اليوم الثاني والثالث ،
فنادته وهو يصلي كما فعلت في اليوم الأول ، فاستمر في صلاته ولم يجبها ،
فغضبت غضبا شديداً ، ودعت عليه بأن لا يميته الله حتى ينظر في وجوه
الزانيات ، ولو دعت عليه أن يفتن لفتن - كما أخبر النبي - صلى الله عليه
وسلم - في رواية أخرى ، فاستجاب الله دعاء الأم ، وهيأ أسبابه ، وعرضه
للبلاء .
فقد تذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته
وزهده ، فسمعت بذلك امرأة بغي يضرب الناس المثل بحسنها وجمالها ، فتعهدت
لهم بإغوائه وفتنته ، فلما تعرضت له لم يأبه بها ، وأبى أن يكلمها ، ولم
يعرها أي اهتمام ، فازدادت حنقا وغيظا ، حيث فشلت في ما ندبت نفسها له
من فتنة ذلك العابد ، فعمدت إلى طريقة أخرى تشوه بها سمعته ، ودبرت له
مكيدة عظيمة ، فرأت راعيا يأوي إلى صومعة جريج ، فباتت معه ، ومكنته من نفسها ، فزنى بها ، وحملت منه في تلك الليلة ، فلما ولدت ادَّعت بأن هذا الولد من جريج ، فتسامع الناس أن جريجا العابد
قد زنى بهذه المرأة ، فخرجوا إليه ، وأمروه بأن ينزل من صومعته ، وهو
مستمر في صلاته وتعبده ، فبدؤوا بهدم الصومعة بالفؤوس ، فلما رأى ذلك منهم
نزل إليهم ، فجعلوا يضربونه ويشتمونه ويتهمونه بالرياء والنفاق ، ولما
سألهم عن الجرم الذي اقترفه ، أخبروه باتهام البغي له بهذا الصبي ، وساقوه
معهم ، وبينما هم في الطريق ، إذ مروا به قريباً من بيوت الزانيات ،
فخرجن ينظرن إليه ، فلما رآهن تبسم ، ثم أمر بإحضار الصبي ، فلما جاءوا
به طلب منهم أن يعطوه فرصة لكي يصلي ويلجأ إلى ربه ، ولما أتم صلاته جاء
إلى الصبي ، فطعنه في بطنه بإصبعه ، وسأله والناس ينظرون ، فقال له : من
أبوك ؟ فأنطق الله الصبي ، وتكلم بكلام يسمعه الجميع ويفهمه ، فقال :
أبي فلان الراعي ، فعرف الناس أنهم قد أخطؤوا في حق هذا الرجل الصالح ،
وأقبلوا عليه يقبلونه ويتمسحون به ، ثم أرادوا أن يكفروا عما وقع منهم
تجاهه ، فعرضوا عليه أن يعيدوا بناء صومعته من ذهب ، فرفض وأصر أن تعاد
من الطين كما كانت ، ولما سألوه عن السبب الذي أضحكه عندما مروا به على
بيوت الزواني ، قال : ما ضحكت إلا من دعوة دعتها عليَّ أمي .
هذه هي قصة جريج كما رواتها
لنا كتب السنة وهي قصة مليئة بالعبر والعظات تبين خطورة عقوق الوالدين
وتركِ الاستجابة لأمرهما ، وأنه سبب لحلول المصائب على الإنسان ، وأن كل
هذه المحن والابتلاءات التي تعرض لها ذلك العبد الصالح ، كانت بسبب عدم
استجابته لنداء أمه .
كما تؤكد هذه القصة على ضرورة الصلة بالله ومعرفته في زمن
الرخاء ، وأن يكون عند الإنسان رصيد من عمل صالح وبر وإحسان ، ينجيه الله
به في زمن الشدائد والأزمات ، كما أنجى جريجاً وبرأه من التهمة بسبب
صلاحه وتقاه .
وفيها كذلك بيان حال الصالحين والأولياء من عباد الله الذين
لا تضطرب أفئدتهم عند المحن ، ولا تطيش عقولهم عند الفتن ، بل يلجؤون
إلى من بيده مقاليد الأمور ، كما لجأ جريج إلى ربه وفزع إلى صلاته ،
وكذلك كان نبينا - صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
وهي تكشف لنا عن مواقف أهل الفساد والفجور من الصالحين
والأخيار في كل زمان ومكان ، ومحاولتهم تشويه صورتهم ، وتلطيخ سمعتهم ،
واستخدام أي وسيلة لإسقاطهم من أعين الناس وفقد الثقة فيهم ، وبالتالي
الحيلولة دون وصول صوتهم ورسالتهم إلى الآخرين .
فهؤلاء الساقطون في أوحال الرذيلة لا يطيقون حياة الطهر
والعفاف ولا يهنأ لهم بال ، ولا يطيب لهم عيش إلا بأن يشاركهم الآخرون في
غيهم وفسادهم ، بل ويستنكفون أن يكون في عباد الله من يستعلي على الشهوات
ومتع الحياة الزائلة ، كما قال عثمان رضي الله عنه : " ودت الزانية لو زنى النساء كلهن " .
كما أن هذه القصة تبين وقع المصيبة ، وعظم الفاجعة عند
الناس ، عندما يفقدون ثقتهم فيمن اعتبروه محلاً للأسوة والقدوة ، وعنواناً
للصلاح والاستقامة ، ولذا تعامل أهل القرية مع جريج بذلك الأسلوب حين
بلغتهم الفرية ، حتى هدموا صومعته وأهانوه وضربوه .
مما يوجب على كل من تصدى للناس في تعليم أو إفتاء أو دعوة
أن يكون محلاً لهذه الثقة ، وعلى قدر المسؤولية ، فالخطأ منه ليس كالخطأ
من غيره ، والناس يستنكرون منه ما لا يستنكرون من غيره ، لأنه محط
أنظارهم ، ومهوى أفئدتهم .
وقصة جريج تكشف عن جزء من مخططات الأعداء في استخدامهم
لسلاح المرأة والشهوة ، لشغل الأمة وتضييع شبابها ، ووأد روح الغيرة
والتدين ، وهو مخطط قديم وإن تنوعت وسائل الفتنة والإغراء ، وقد قال - صلى
الله عليه وسلم- : ( فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه أحمد .
وانظر كيف كان مجرد النظر إلى وجوه الفاجرات والعاهرات يؤذي
قلوب الأولياء والصالحين ، ويعتبرونه نوعا من البلاء والعقوبة ، فكان
أقصى ما تدعو به المرأة على ولدها أن يرى وجوه المومسات كما فعلت أم جريج ،
وقارنه بحال البعض في هذا العصر الذي انفتح الناس فيه على العالم عبر
وسائل الاتصال الحديثة ، وعرضت المومسات صباح مساء عبر أجهزة التلفاز
والقنوات الفضائية وشبكة الإنترنت ، فأصبحوا بمحض اختيارهم وطوع إرادتهم
يتمتعون بالنظر الحرام ، لا إلى وجوه المومسات فقط ، بل إلى ما هو أعظم من
ذلك !! ، ولا شك أن ذلك من العقوبات العامة التي تستوجب من المسلم أن
يكون أشد حذرا على نفسه من الوقوع في فتنة النظر ، فضلا عن ارتكاب
الفاحشة والعياذ بالله .
وهكذا يظهر لنا أن الابتلاء فيه خير للعبد في دنياه وأخراه ، إذا صبر وأحسن واتقى الله في حال الشدة والرخاء فجريج كان بعد البلاء أفضل عند الله وعند الناس منه قبل الابتلاء .
كان في الأمم السابقة أولياء صالحون ، وعباد زاهدون ، وكان جريج العابد
أحد هؤلاء الصالحين الذين برَّأهم الله عز وجل ، وأظهر على أيديهم
الكرامات ، بعد أن تربص به المفسدون ، وحاولوا إيقاعه في الفاحشة ، وتشويه
سمعته بالباطل ، وقد قص علينا خبره - نبينا صلى الله عليه وسلم – في
الحديث الذي رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ، عيسى ابن مريم ، وصاحب جريج ، وكان جريج رجلا عابدا ، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمُّه وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : يا رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته ، فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : يا رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته ، فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : أي رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته ، فقالت : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات ، فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته
، وكانت امرأة بغي يُتَمثَّلُ بحسنها ، فقالت : إن شئتم لأفْتِنَنَّه
لكم ، قال : فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته ،
فأمكنته من نفسها ، فوقع عليها ، فحملت ، فلما ولدت قالت : هو من جريج ،
فأتوه فاستنزلوه ، وهدموا صومعته ، وجعلوا يضربونه ، فقال : ما شأنكم ،
قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك ، فقال : أين الصبي ، فجاءوا به ،
فقال : دعوني حتى أصلي ، فصلى ، فلما انصرف أتى الصبي فطَعَنَ في بطنه ،
وقال : يا غلام ، من أبوك ؟ قال : فلان الراعي ، قال : فأقبلوا على جريج يقَبِّلونه ويتمسحون به، وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب ، قال : لا ، أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا ) .
كان جريج في أول أمره تاجرا ،
وكان يخسر مرة ويربح أخرى ، فقال : ما في هذه التجارة من خير ، لألتمسن
تجارة هي خير من هذه التجارة ، فانقطع للعبادة والزهد ، واعتزل الناس ،
واتخذ صومعة يترهَّب فيها ، وكانت أمه تأتي لزيارته بين الحين والحين ،
فيطل عليها من شُرْفة في الصومعة فيكلمها ، فجاءته في يوم من الأيام وهو
يصلي ، فنادته ، فتردد بين تلبية نداء أمه وبين إكمال صلاته ، فآثر إكمال
الصلاة على إجابة نداء أمه ، ثم انصرفت وجاءته في اليوم الثاني والثالث ،
فنادته وهو يصلي كما فعلت في اليوم الأول ، فاستمر في صلاته ولم يجبها ،
فغضبت غضبا شديداً ، ودعت عليه بأن لا يميته الله حتى ينظر في وجوه
الزانيات ، ولو دعت عليه أن يفتن لفتن - كما أخبر النبي - صلى الله عليه
وسلم - في رواية أخرى ، فاستجاب الله دعاء الأم ، وهيأ أسبابه ، وعرضه
للبلاء .
فقد تذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته
وزهده ، فسمعت بذلك امرأة بغي يضرب الناس المثل بحسنها وجمالها ، فتعهدت
لهم بإغوائه وفتنته ، فلما تعرضت له لم يأبه بها ، وأبى أن يكلمها ، ولم
يعرها أي اهتمام ، فازدادت حنقا وغيظا ، حيث فشلت في ما ندبت نفسها له
من فتنة ذلك العابد ، فعمدت إلى طريقة أخرى تشوه بها سمعته ، ودبرت له
مكيدة عظيمة ، فرأت راعيا يأوي إلى صومعة جريج ، فباتت معه ، ومكنته من نفسها ، فزنى بها ، وحملت منه في تلك الليلة ، فلما ولدت ادَّعت بأن هذا الولد من جريج ، فتسامع الناس أن جريجا العابد
قد زنى بهذه المرأة ، فخرجوا إليه ، وأمروه بأن ينزل من صومعته ، وهو
مستمر في صلاته وتعبده ، فبدؤوا بهدم الصومعة بالفؤوس ، فلما رأى ذلك منهم
نزل إليهم ، فجعلوا يضربونه ويشتمونه ويتهمونه بالرياء والنفاق ، ولما
سألهم عن الجرم الذي اقترفه ، أخبروه باتهام البغي له بهذا الصبي ، وساقوه
معهم ، وبينما هم في الطريق ، إذ مروا به قريباً من بيوت الزانيات ،
فخرجن ينظرن إليه ، فلما رآهن تبسم ، ثم أمر بإحضار الصبي ، فلما جاءوا
به طلب منهم أن يعطوه فرصة لكي يصلي ويلجأ إلى ربه ، ولما أتم صلاته جاء
إلى الصبي ، فطعنه في بطنه بإصبعه ، وسأله والناس ينظرون ، فقال له : من
أبوك ؟ فأنطق الله الصبي ، وتكلم بكلام يسمعه الجميع ويفهمه ، فقال :
أبي فلان الراعي ، فعرف الناس أنهم قد أخطؤوا في حق هذا الرجل الصالح ،
وأقبلوا عليه يقبلونه ويتمسحون به ، ثم أرادوا أن يكفروا عما وقع منهم
تجاهه ، فعرضوا عليه أن يعيدوا بناء صومعته من ذهب ، فرفض وأصر أن تعاد
من الطين كما كانت ، ولما سألوه عن السبب الذي أضحكه عندما مروا به على
بيوت الزواني ، قال : ما ضحكت إلا من دعوة دعتها عليَّ أمي .
هذه هي قصة جريج كما رواتها
لنا كتب السنة وهي قصة مليئة بالعبر والعظات تبين خطورة عقوق الوالدين
وتركِ الاستجابة لأمرهما ، وأنه سبب لحلول المصائب على الإنسان ، وأن كل
هذه المحن والابتلاءات التي تعرض لها ذلك العبد الصالح ، كانت بسبب عدم
استجابته لنداء أمه .
كما تؤكد هذه القصة على ضرورة الصلة بالله ومعرفته في زمن
الرخاء ، وأن يكون عند الإنسان رصيد من عمل صالح وبر وإحسان ، ينجيه الله
به في زمن الشدائد والأزمات ، كما أنجى جريجاً وبرأه من التهمة بسبب
صلاحه وتقاه .
وفيها كذلك بيان حال الصالحين والأولياء من عباد الله الذين
لا تضطرب أفئدتهم عند المحن ، ولا تطيش عقولهم عند الفتن ، بل يلجؤون
إلى من بيده مقاليد الأمور ، كما لجأ جريج إلى ربه وفزع إلى صلاته ،
وكذلك كان نبينا - صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
وهي تكشف لنا عن مواقف أهل الفساد والفجور من الصالحين
والأخيار في كل زمان ومكان ، ومحاولتهم تشويه صورتهم ، وتلطيخ سمعتهم ،
واستخدام أي وسيلة لإسقاطهم من أعين الناس وفقد الثقة فيهم ، وبالتالي
الحيلولة دون وصول صوتهم ورسالتهم إلى الآخرين .
فهؤلاء الساقطون في أوحال الرذيلة لا يطيقون حياة الطهر
والعفاف ولا يهنأ لهم بال ، ولا يطيب لهم عيش إلا بأن يشاركهم الآخرون في
غيهم وفسادهم ، بل ويستنكفون أن يكون في عباد الله من يستعلي على الشهوات
ومتع الحياة الزائلة ، كما قال عثمان رضي الله عنه : " ودت الزانية لو زنى النساء كلهن " .
كما أن هذه القصة تبين وقع المصيبة ، وعظم الفاجعة عند
الناس ، عندما يفقدون ثقتهم فيمن اعتبروه محلاً للأسوة والقدوة ، وعنواناً
للصلاح والاستقامة ، ولذا تعامل أهل القرية مع جريج بذلك الأسلوب حين
بلغتهم الفرية ، حتى هدموا صومعته وأهانوه وضربوه .
مما يوجب على كل من تصدى للناس في تعليم أو إفتاء أو دعوة
أن يكون محلاً لهذه الثقة ، وعلى قدر المسؤولية ، فالخطأ منه ليس كالخطأ
من غيره ، والناس يستنكرون منه ما لا يستنكرون من غيره ، لأنه محط
أنظارهم ، ومهوى أفئدتهم .
وقصة جريج تكشف عن جزء من مخططات الأعداء في استخدامهم
لسلاح المرأة والشهوة ، لشغل الأمة وتضييع شبابها ، ووأد روح الغيرة
والتدين ، وهو مخطط قديم وإن تنوعت وسائل الفتنة والإغراء ، وقد قال - صلى
الله عليه وسلم- : ( فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه أحمد .
وانظر كيف كان مجرد النظر إلى وجوه الفاجرات والعاهرات يؤذي
قلوب الأولياء والصالحين ، ويعتبرونه نوعا من البلاء والعقوبة ، فكان
أقصى ما تدعو به المرأة على ولدها أن يرى وجوه المومسات كما فعلت أم جريج ،
وقارنه بحال البعض في هذا العصر الذي انفتح الناس فيه على العالم عبر
وسائل الاتصال الحديثة ، وعرضت المومسات صباح مساء عبر أجهزة التلفاز
والقنوات الفضائية وشبكة الإنترنت ، فأصبحوا بمحض اختيارهم وطوع إرادتهم
يتمتعون بالنظر الحرام ، لا إلى وجوه المومسات فقط ، بل إلى ما هو أعظم من
ذلك !! ، ولا شك أن ذلك من العقوبات العامة التي تستوجب من المسلم أن
يكون أشد حذرا على نفسه من الوقوع في فتنة النظر ، فضلا عن ارتكاب
الفاحشة والعياذ بالله .
وهكذا يظهر لنا أن الابتلاء فيه خير للعبد في دنياه وأخراه ، إذا صبر وأحسن واتقى الله في حال الشدة والرخاء فجريج كان بعد البلاء أفضل عند الله وعند الناس منه قبل الابتلاء .
الامبراطورة- عضو Golden
- عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57090
الجوائز :
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى