شبكة و منتديات تولف أن آر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جزيرة الغراب.. التاريخ حقل القناعات

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

 جزيرة الغراب.. التاريخ حقل القناعات  Empty جزيرة الغراب.. التاريخ حقل القناعات

مُساهمة من طرف علاء الدين الثلاثاء فبراير 05, 2013 4:37 am

 جزيرة الغراب.. التاريخ حقل القناعات  1_20091114_8194

اتجه
كثير من الروائيين إلى التاريخ القديم أو الحديث؛ رغبة منهم في عرض فكرهم
ورؤاهم تجاه القضايا والأحداث بحرية أكبر وبعيداً عن الرقيب الفكري
والاجتماعي، ولهذا فقد حفلت هذه الروايات بالعديد من الأفكار والتحليلات
أكثر من الأحداث والتفصيلات والذرا والعقبات.


ومن
هذه الروايات ما نحن بإزائه من رواية الأستاذ خالد الجبرين، والممهورة
باسم (جزيرة الغراب)، وتدور أحداثها في أعقاب السقوط الحزين للأندلس
المسلمة على يد تحالف الأسبان من القشتاليين ومملكة (ليون) في الثلث الأول
من عام 897هـ.


وحدث
القصة خيالي ويتلخص في مطاردة بحرية لسفن إسلامية سطا قائدها على جواهر
وتاج لملكة ليون وزوجة ملك قشتالة، ولهذه الغنيمة قيمة رمزية عند الأسبان؛
فهي دليل اتحادهم ونصرهم وصلتهم بالماضي التليد، وترمي أهوال البحر بتلك
السفن على شاطئ جزيرة الغراب على الغرب من إفريقية وفي بحار المحيط
الأطلسي.


وهناك
تختلف رؤى المعسكرين بين العداوة والتعايش السلمي، وتتحكم بتلك الرؤى
نظرات العقيدة والأطماع والفكر الفلسفي وغيرها، حتى تنتهي الرواية بنصر
للفكرة التي أظنها قناعة الكاتب التي حارب من أجلها شتى الأطماع والرجال من
معسكر الإسلام والنصرانية.


وأول
ما يطالعنا في هذه الرواية إصرارها على الفكر والفلسفة الإنسانية للكاتب،
والتي طغت على الأحداث المفترض وجودها في رواية تاريخية تتعرض لفترة حرجة
من فترات التاريخ الإسلامي القديم؛ إذ كثيراً ما يحمل راوي القصة العليم/
الكاتب مشعل البيان والتقييم لشخصيات العمل القصصي، وهو توضيح متضارب، ويصل
إلى التناقض بالنسبة إلى شخصيات المعسكر المعادي للنصارى، والذي لا يرى في
العداوة إلاّ الجانب الدموي وشهوة الانتقام لحوزة الدين والأعراض والأرواح
المنتهكة بعيد السقوط والهزيمة، فنقرأ هذين الوصفين لسوار بن عباس أحد
رجال سنان القرصان القائد: "...وهو مجاهد مخلص للجهاد في سبيل الله.. نذر
نفسه ومجموعة معه لحرب الفرق الأسبانية في شوارع غرناطة" ثم بعد ذلك:
"وطبيعة سوار بن عباس تذكر الناس باسمه؛ فهو عابس غاضب على الدوام يتحمس
للفكرة حين تطرأ عليه.. ويصبح أسيراً لها باذلاً كل جهده لإنجازها"( ص
6-7)، ثم صوّره على طبيعة أقرب إلى التهور والبعد عن الحكمة والعقل فقال:
"... لكن سواراً مندفع يعشق الأمور الآنية والنتائج الفورية، ولا يحسن
النظر في الأفق.. يعميه حب غير مدروس للعمل للجهاد ولا مساحة في ذهنه لغير
الموت في سبيل الله... لا يستوعب العمل لصالح الدين ونصر الإسلام ما لم يكن
بطولياً مضمخاً بروائح الموت"( ص 49).


أما
شخصية الكاتب الأثيرة (مأمون رضي الدين) فقد تغلغل فيها ليوضح فلسفتها في
العداوة والجهاد وكرهها للدماء والأحقاد، واستمر يضيف إليها طوال فصول
الرواية صفة الحكمة والنجاح وبعد النظر حتى وصلت في النهاية إلى بر الأمان،
وتخلصت من غلطة من غلطاتها وهي الزواج من نصرانية.


إن
قيام الرواية على الفكر العميق أضعف جانب التشويق فيها؛ إذ يفرد الكاتب في
ختام المشاهد والأحداث الجزئية مساحة لتحليل الموقف الصحيح من وجهة نظره،
وهي مواقف مأمون والطبيب النصراني، وهذه الوقفات كما قلت أضعفت صفة الرواية
التلاحقية المشوقة، وإن حمدنا للكاتب اشتمال تحليلاته على العنصر النفسي
والعمق في النفس الإنسانية وعقدها وتركيبها.


وتحمس
الكاتب للفكرة أوقعه في عدد من التحليلات الغريبة من مثل تحليله لأهل
الفترة، أو من لا يعذبون؛ لأن الدين لم يصل إليهم بأنهم من لم يخالط الدين
قلبه، ولم تصل فكرة الدين إليه بشكل صحيح، نقرأ هذا الحوار بين مأمون
والشيخ سهيل:


سهيل: "شأن الآخرة لا يعلمه إلاّ الله سبحانه، لا يعذب من غير أهل الإسلام إلاّ من قامت عليه الحجة.

- أظن أن الحجة قائمة على منصورة، لقد عاشت بين المسلمين وقرأت كتبهم ودرست الإسلام.

-
لا يا مأمون، قيام الحجة لا يتم إلاّ حين يرى الشخص الطريق المستقيم بلا
شبهة، ويعرف سبيل الهدى واضحاً بلا أستار، ويمتلئ بالقناعة التامة، بحيث لا
يرده عن سلوكه غير هوى نفس أو كفر للحق، وهؤلاء هم المستحقون للعذاب.


- ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: "والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلاّ أدخله الله النار"؟!

- بلى.. لكن السمع ليس وصول الخبر للأذن بل وصوله للفهم والقناعة غير محرّف ولا مشوّه ولا مشتبه".

أما
ما يتعلق بالجوانب الفنية في الرواية فإننا نلمسها منذ البداية في إهداء
الرواية، والذي يحمل جانبي الهجوم والتراجع، يرسله الكاتب إلى من سمّاهم
(كهنة الأحقاد وسدنة الكراهية) ليقدم لهم هذه الوجبة الفكرية، وكأن العداوة
عندهم مرجعها فقط إلى الحقد والكراهية وحب النفس!


ولنتساءل
عن هذه التهم الخطيرة في هذه الرواية: هل هي في مواقف سوار المجاهد، ومن
تحمس لرد الكرامة والثأر للدين والعرض والممتلكات، أم هي في مواقف فيليب
وطالب؟ سؤال خطير يوازي تهم الكاتب وهجومه الشرس على من يخالف مأمون في
الرواية/ الواقع.


وكما
قلت في بداية هذه الورقة فإن أحداث الرواية توارت أمام الفكر والفلسفة
الذاتية للكاتب، ولا نجد أحداثاً موازية للحدث الرئيس إلاّ حدث زواج مأمون
من منصورة النصرانية، وإن كان يصب في حقل الفكرة الرئيسة عند الكاتب (لا
عداوة ولا دموية مع الآخر/ النصراني).


وشخصيات
الرواية على جانب من البساطة والنموذجية، فمأمون شخصية تمثل نموذج التسامح
والحب الكبير، ويقابلها في المعسكر النصراني الفونس الطبيب، وعلى النقيض
هناك شخصية طالب الماكر الحقود الأناني، ويماثله فيليب من المعسكر
النصراني، وبقية الشخصيات تمثل نماذج مختلفة منها المرح (زكريا) والتشاؤم
(مسعود) والخسة (روبيل اليهودي) وغيرها من الشخصيات/ النماذج.


ومما
يلحظ على الكاتب استواء الشخصيات في مستوى الحضور الحواري؛ فهي على مستوى
لغوي كامل يستوي في ذلك العربي والأسباني، وتتوحد لغة الحديث على الجموع
كلها مع اختلاف لغتهم وأفهامهم، وهذا يفتقر للإقناع لاسيما بعد إشارات وردت
من أن بعضهم لا يعرف الأسبانية أو يعرف جزءاً منها، وأن بعضهم لا يعرف
العربية وهكذا. ويستثنى من ذلك حضور (زكريا الممسوح) و(مسعود المتشائم)؛ إذ
يمثل حضورهما في الحدث والحوار علامة فارقة تميزت بها الرواية؛ فزكريا
يستخدم أطراف القضية للسخرية، ولا يتجاوز مرحلة من المراحل التي يشهدها بلا
تعليق ساخر ربما اختلط باليأس وفقدان الأمل، وكذلك يمثل مسعود شخصية
المتشائم المفرط في تشاؤمه حيث حل وأينما وجد.


وداخل
النسيج الروائي يمكننا أن نسجل استفهاماً حول سبب أخذ التاج من قبل مأمون
بلا مسوّغ؛ إذ أخذه من السفينة وهو لا يعلم بتجمع الأسبان للحرب والثأر
للمسيح المهان، وحين يصل إلى الشاطئ يستخدم هذا التاج فيما لم يحسب له
حساباً أو يرتب له، فيهدئ الأسبان ويكسر حماستهم، ويفضح كذب فيليب والتاجر
اليهودي، ثم بعد هذا الحدث يعيد التاج إلى السفينة، فهل أحضره لسبب
الاجتماع الذي لم يعلم به، أم أنه أحضره للتأمل فيه؟ وإذا كان أحضره للتأمل
فيه فلماذا يعيده بعد أن ذهبت رائحة القتال وعاد الناس وقد اقتنعوا بخطبته
وجداله؟!


والروائي
يقف كثيراً –على عادة الروائيين السابقين- ليرسم تفاصيل المكان السمعية
والبصرية، ولو أدخلها في نسيج الرواية لكان ذلك أدعى للقبول والانسباك
السردي؛ لأن الوقوف الوصفي مما يضعف الرواية ذات الأحداث المثيرة والمشوقة،
وكما قال النقاد: السرد سير الزمان والوصف توقف وسكون.


أخيراً
فإن نهاية الرواية لا تناسب العصر الذي كتبت فيه، فإن إجمال النهاية وعرض
مصير الشخصيات الذي يمتد لسنوات –كما هو مصير الطبيب الأسباني- هو من
أساليب الروايات الكلاسيكية وقصص الجدات التي تنتهي عادة بجملة (وعاش
الجميع في سبات ونبات، ورزقوا الكثير من الأبناء والبنات...) ولو اكتفى
الكاتب بمشهد التقاء سفينة النجاة مع سفينة التجارة الأسبانية لوفّر
لروايته النهاية المفتوحة التي ستفتق ذهن القارئ بأسئلة حارة مثل: هل تقاتل
الأسبان والمسلمون؟ إلى أين مضت سفينة المسلمين؟ كيف كانت نهاية أبطال
القصة المسالمين وأعداء الدموية والأحقاد؟ كيف مضت حياة مأمون المحب بعد
مقتل حبيبته؟ وهل استمر في حياته الوادعة المسالمة البيضاء؟ هذه الأسئلة
وغيرها وُئدت قبل ميلادها بنهاية القصة التي لا تجاوز نصف الصفة.


وبالجملة
فقد قدم الأستاذ خالد الجبرين رواية خيالية على نسق تاريخي إشكالي، وفي
مرحلة حساسة من مراحل التاريخ الإسلامي، ونظرة تسامحية فلسفية تعكس وجهة
نظر الكاتب وتحمسه ودفاعه عن تلك القناعات والأفكار.

علاء الدين
عضو Golden
عضو Golden

عدد المساهمات : 5552
نقاط المنافسة : 51126
التقييم و الشكر : 1
تاريخ التسجيل : 13/01/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 جزيرة الغراب.. التاريخ حقل القناعات  Empty رد: جزيرة الغراب.. التاريخ حقل القناعات

مُساهمة من طرف الامبراطورة الثلاثاء فبراير 05, 2013 8:48 am

الف شكر لك ويعطيك العافيه
الامبراطورة
الامبراطورة
عضو Golden
عضو Golden

عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57141
الجوائز : المركز الثالث
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى