شبكة و منتديات تولف أن آر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الزهد في الدنياللإمام ابن القيم رحمه الله

اذهب الى الأسفل

الزهد في الدنياللإمام ابن القيم رحمه الله Empty الزهد في الدنياللإمام ابن القيم رحمه الله

مُساهمة من طرف الامبراطورة الجمعة يناير 25, 2013 11:19 am

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام ابن القيم رحمه الله

(لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا,


ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين:


النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها
وخسّتها, وألم المزاحمة عليها والحرص عليها, وما في ذلك من الغصص والنغص
والأنكاد,



وآخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب من الحسرة والأسف,


فطالبها لا ينفك من هم قبل حصولها, وهم في حال الظفر بها, وغم وحزن بعد فواتها.


فهذا أحد النظرين.



(النظر الثاني) في الآخرة وإقبالها ومجيئها ولا بد,
ودوامها وبقائها, وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات والتفاوت الذي بينه
وبين ما ها هنا



فهي كما قال سبحانه:{ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } الأعلى 17.


فهي خيرات كاملة دائمة, وهذه خيالات ناقصة منقطعة مضمحلة.


فإذا تم له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره, وزهد فيما يقتضي الزهد فيه.


فكل أحد مطبوع على أن لا يترك النفع العاجل واللذة الحاضرة إلى النفع الآجل
واللذة الغائبة المنتظرة, إلا إذا تبين له فضل الآجل على العاجل وقويت
رغبته في الأعلى الأفضل فإذا آثر الفاني الناقص كان ذلك إما لعدم تبين
الفضل له, وإما لعدم رغبته في الأفضل.



وكل واحد من الأمرين يدل على ضعف الإيمان وضعف العقل والبصيرة.


فإن الراغب في الدنيا الحريص عليها المؤثر لها إما أن يصدّق بأن ما هناك
أشرف وأفضل وأبقى, وإما أن لا يصدّق, فإن لم يصدق بذلك كان عادما للإيمان
رأسا, وإن صدّق بذلك ولم يؤثره كان فاسد العقل سيء الاختيار لنفسه.


وهذا تقسيم حاضر ضروري لا ينفك العبد من أحد القسمين منه.


فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد الإيمان, وإما من فساد العقل.


وما أكثر ما يكون منهما.


ولهذا نبذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهره هو وأصحابه وصرفوا
عنها قلوبهم, وأطرحوها ولم يألفوها, وهجروها ولم يميلوا إليها, وعدّوها
سجنا لا جنّة.



فزهدوا فيها حقيقة الزهد, ولو أرادوها لنالوا منها كل محبوب ولوصلوا منها إلى كل مرغوب.


فقد عرضت عليه مفاتيح كنوزها فردّها, وفاضت على أصحابه فآثروا بها ولم
يبيعوا حظهم من الآخرة بها, وعلموا أنها معبر وممر لا دار مقام ومستقر,
وأنها دار عبور لا دار سرور, وأنها سحابة صيف تنقشع عن قليل, وخيال طيف ما
استتم الزيارة حتى آذن بالرحيل.


قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مالي وللدنيا, إنما أنا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها"


أخرجه الترمذي في الزهد 4\508(2377), وابن ماجه وأحمد.


وقال:" ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما ترجع".


أخرجه مسلم في الجنة 4\2193 رقم 55 [2858], والترمذي وابن ماجه.



وقال خالقها سبحانه:


{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ
السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ
وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا
لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ
بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ *


وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }

يونس 24,25,



فأخبر عن خسة الدنيا وزهد فيها, وأخبر عن دار السلام ودعا إليها.



وقال تعالى:



{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ
مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً
تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً *
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }

الكهف 45,46.



وقال تعالى:{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ
وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ
وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ
يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ
عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } الحديد 20.




وقال تعالى:{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ
أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ
رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ
بِالْعِبَادِ }

آل عمران 14,15.



وقال تعالى:

{ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ } الرعد 26.



وقد توعّد سبحانه أعظم الوعيد لمن رضي بالحياة الدنيا واطمأن بها وغفل عن آياته ولم يرج لقاءه,


فقال:

{ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ
لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا
وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ
النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }

يونس 7,8.


وعيّر سبحانه من رضي بالدنيا من المؤمنين,


فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ
انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ
بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ }

التوبة 38.


وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة,


ويكفي في الزهد في الدنيا قوله تعالى:

{ أَفَرَأَيْتَ إِنْ
مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا
أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ }

الشعراء 205-207.


وقوله:

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ }
يونس 45.


وقوله:

{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ
مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ
فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ }

الأحقاف 35.


وقوله تعالى:

{ يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ
أَيَّانَ مُرْسَاهَا. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا. إِلَى رَبِّكَ
مُنْتَهَاهَا. إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا. كَأَنَّهُمْ
يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا }

النازعات 42-46.



وقوله:

{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ }
الروم 55.


وقوله:

{ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي
الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ
فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ
أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

المؤمنون 112-114.


وقوله:{ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ
يَوْمَئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا
عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ
طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً }

طه 102-104.


والله المستعان وعليه التكلان.)
الامبراطورة
الامبراطورة
عضو Golden
عضو Golden

عدد المساهمات : 7679
نقاط المنافسة : 57112
الجوائز : المركز الثالث
التقييم و الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 17/01/2013

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» شرح حديث احفظ الله يحفظك لابن عثيمين رحمه الله
»  البكاء يغسل أدران القلوبإنها حقيقة لا مراء فيها، فالبكاء من خشية الله تعالى يلين القلب ،ويذهب عنه أدرانه، قال يزيد بن ميسرة رحمه الله : " البكاء من سبعة أشياء : البكاء من الفرح ، والبكاء من الحزن ، والفزع ، والرياء ، والوجع ، والشكر ، وبكاء من خشية الله
»  فتوى لابن عثيمين ـ رحمه الله ـ
»  قصيده للملك فيصل رحمه الله عليه
» فوائد الصبر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ) رواه البخاري . وعن أنس رضي الله عنه قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يق

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى